السبت، 15 نوفمبر 2014

مشروعية النقاب









مشروعية النقاب







 



 


إننا بادئ ذي بَدء نريد أن ننبه على أمرين مهمين ونجيب عن شبهة مغرضة :
أما الأمر الأول : فيخطىء من يظن أن النقاب قَيْدٌ وُضع على المرأة ليمنعها من ممارسة حقوقها ، أو غُلٌّ ترسُف فيه يحول بينها وبين أداء مهامها . ولكنه في الحقيقة شعار الحياء والخَفَر ، وعنوان الطهارة والعفاف ، تلتزمه ـ منذ قديم الزمان ـ نساء عِلْيَة القوم ، من ذوي الرياسة ، والجاه ، والعلم ، والثراء .

وأما الأمر الثاني : فهو أننا هنا لسنا بصدد الدفاع عن أخطاء بعض المنتقبات أو سلوكهن ـ وهي موجودة ـ أو أننا نريد أن نجبر النساء على ارتدائه . بل إننا نريد أن يفرق الناس بين النقاب وبين أخطاء وسلوكيات بعض المنتقبات . فالنقاب لايعطي للمرأة العصمة من الذنوب وتظل المنتقبة شأنها شأن بقية المسلمات يجوز عليها الخطأ والصواب ، وبالتالي فالذين يتحدثون عن هذا الجانب يريدون سحب القضية إلى "أزقة" الكلام بعيدا عن جوهرها وصلبها .

وأما الشبهة المغرضة : وهي تلك التي يدندن بها أصحاب النفوس الضعيفة هذه الأيام ويملئون بها الصحف والمجلات صياحا وعويلا : يقولون : إن النقاب قد يرتديه المحتالون والسُّرَّاق والإرهابيون والداعرات فيتخفون وراءه ؟ ثم يروحون يستعرضون القصص المغرضة في هذا الباب .
وللرد على هذه الشبهة نقول :
أولا : المنافقون في الدرك الأسفل من النار ومع ذلك كانوا يتظاهرون بالإسلام فيصلُّون ويُخفون في قلوبهم الزندقة والكفر ويخادعون الله ، فهل نترك الصلاة لأن المنافقين يصلون ؟

ثانيا : هناك من المجرمين واللصوص من يرتدي زي رجل الشرطة ورجل الأمن ، فنرى هذا المجرم ينتحل صفة ضابط الشرطة الأمين فيُغرر بالناس ويحتال عليهم ويسرق أموالهم بل قد يقتلهم ، فهل نقوم بإلغاء زي رجل الشرطة من أجل هؤلاء المحتالين والمجرمين ؟
نحن نعلم أن هناك ظروفا تقتضي أن يُتَحَقَّق من شخصية المنتقبة في المطارات والامتحانات .. وحين يُرتاب أو يشك في أمر يحتاج فيه لذلك . فما المانع أن يتحقق من شخصيتهن ضابطات للأمن أو غيرهن من الموظفات دون أي حساسية ، وباحترام ومعاملة مهذبة ؟

ثالثا : لا شك أن من يريد أن يتخفى وراء شيء ما ليداري جريمة ما فإنه لا يختار شيئا قبيحا ، وإنما يختار شيئا مستحسنا . لنفرض أن هناك امرأة سيئة السير والسلوك تتخفى وراء النقاب فما من شك أنها تتخفى وراءه لأنه مستحسن لا لأنه قبيح !!
لقد وصل الأمر ببعضهم لكي يمنع النقاب إلى التآمر والاحتيال والنصب والدجل . يقول الأستاذ محمد جلال كشك في كتابه ( قراءة في فكر التبعية ) ص ( 421 ) : أن عميد إحدى الكليات اعترف : أنه لكي يمنع الحجاب أو النقاب في كليته استأجر طالبا من كلية أخرى واتفقوا معه على أن يحاول دخول الكلية منقبا ويقبض عليه الحرس وتصبح فضيحة . وتم ذلك فعلا واستغلها العميد فأصدر قرارا بمنع الحجاب أو النقاب ودفعوا للطالب أُجرته مع بعض الأقلام والشلاليت ! وكان العميد يروي هذه القصة مفتخرًا قائلا : بعشرة جنيه حلِّيت مشكلة الحجاب في كُلِّيتي ! ترى كم يتكلف تلميع خائب وترويج بائر ) اهـ  
* * * *
والذي دعاني للحديث في هذا الموضوع هو هذه الحملة الموتورة على النقاب وجرأة البعض على الفتوى والزعم بأن المذاهب الأربعة تُحَرِّم أو تُبَدّع النقاب أو تجعله من المكروهات !! ، وبدا أن هناك حملة لإشاعة الجهل بين الناس أو استغلال بعد الناس عن مواطن العلم ، لترويج أباطيل ليست من دين الله في شيئ ، بل هي اعتداء على الدين والعلم وافتراء على فقهاء المسلمين .
فمسألة الحجاب والنقاب من المسائل التي قتلت بحثا وهي تدور بين الوجوب والاستحباب ولكن من العجب العجاب أن ينتقل بنا أقوام يزعمون الاجتهاد ـ وهو منهم براء ـ إلى دائرة التحريم والكراهة ؛ دون أي دليل بل باستخدام الكذب والتزوير . ولو كان لهؤلاء القائلين بكراهة أو تحريم النقاب سلف من هذه الأمة ، أو مستند يعتمدون عليه ولو كان واهيًا ، أو حكوا مذاهب العلماء في وجوب ستر الوجه وعدمه بأمانة ، ونقلوا أدلتهم بنزاهة ، ثم اختاروا القول بعدم الوجوب ، لقلنا : جنحوا لمذهب مرجوح لهم فيه سلف . ولكن العجب العجاب ، قول من يقول أن النقاب بدعة ويدعو لتحريمه أو كراهته . وللأسف الشديد يتم هذا التَّبَجُّح باسم علوم الدين !! وعلومُ الإسلام كلها بريئة إلى اللَّه تعالى من انتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ولذلك أحببت أن أضع بين يدي القراء بعض معالم الحقيقة في هذا الموضوع ، والعمدة في ذلك كتاب شيخنا العلامة الفقيه الدكتور محمد فؤاد البرازي الرائع ( حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) ، على أن نتبع هذا المقال بآخر يعرض كلام المفسرين في هذه المسألة ، وكلام أعلام الفقه قديما وحديثا .
ستر الوجه في المذاهب الأربعة :
من المفيد أن نشير إلى أن القائلين بجواز كشفه ، قد اتجهت مذاهبهم إلى وجوب ستره لخوف الفتنة نظرًا لفساد الزمن . وبناءً على ذلك فقد استقر الكثير من فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم على وجوب ستر الوجه .ويحسن بنا في هذا المقام أن نذكر شذرات قليلة من أقوال علماء كل مذهب من هذه المذاهب ، منقولة من كتب أصحابها ـ ومعظم هذه الكتب تدرس بالأزهر منذ مئات السنين وإلى اليوم ـ ، إبراءً للذمة ، وإقامة للحجة ، وحتى لا يصدق الناس ما يروجه المزورون من أن النقاب لا وجود له في المذاهب الفقهية الكبرى الأربعة !!
أولا : مذهب الحنفية :
1 ـ قال الشرنبلالي في ( متن نور الإيضاح ) : « وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها باطنهما وظاهرهما في الأصح ، وهو المختار » . وقد كتب العلامة الطحطاوي في ( حاشيته الشهيرة على مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح ص 161) عند هذه العبارة ما يلي : « ومَنْعُ الشابة من كشفه ـ أي الوجه ـ لخوف الفتنة ، لا لأنه عورة » اهـ .
2 ـ وقال الشيخ داماد افندي (مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ـ 1 / 81) : « وفي المنتقى : تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة . وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد وعن عائشة : جميع بدن الحرة عورة إلا إحدى عينيها فحسب ، لاندفاع الضرورة » اهـ .
3 ـ وقال الشيخ محمد علاء الدين الإمام ( الدر المنتقى في شرح الملتقى ـ 1 / 81 ( المطبوع بهامش مجمع الأنهر ) : « وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها ، وقدميها في رواية ، وكذا صوتها، وليس بعورة على الأشبه ، وإنما يؤدي إلى الفتنة ، ولذا تمنع من كشف وجهها بين الرجال للفتنة » اهـ .والراجح أن صوت المرأة ليس بعورة ، أما إذا كان هناك خضوع في القول ، وترخيم في الصوت فإنه محرم .
4 ـ وقال الشيخ الحصكفي (الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين ـ 3 / 188 ـ 189) : « يعزر المولى عبده ، والزوج زوجته على تركها الزينة الشرعية مع قدرتها عليها ، وتركها غسل الجنابة ، أو على الخروج من المنزل لو بغير حق ، أو كَشفت وجهها لغير محرم » اهـ باختصار .
5 ـ وقال في موطن آخر : « وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال ، لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة ، كمسّهِ وإن أَمِنَ الشهوة ، لأنه أغلظ ، ولذا ثبتت به حرمة المصاهرة ». قال خاتمة المحققين ، العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة عند هذه العبارة : « والمعنى : تُمنَعُ من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة ، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة .وقوله : « كمسِّهِ » أي : كما يمنع الرجل من مسِّ وجهها وكفِّها وإنْ أَمِنَ الشهوة » اهـ ( انظر : الدر المختار ، مع حاشية رد المحتار ( 1 / 272) .
6 ـ وقال العلامة ابن نجيم ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ 1 / 284) : « قال مشايخنا : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة » اهـ .
7 ـ وقال أيضًا في موضع آخر ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ 2 / 381) : « وفي فتاوى قاضيخان : ودلَّت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة . اهـ وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجبٌ عليها » اهـ .
8 ـ وقال الشيخ علاء الدين عابدين (الهدية العلائية ( ص / 244) : « وتُمنع الشابة من كشف وجهها خوف الفتنة » اهـ .
وقد أوجب فقهاء الحنفية على المرأة الْمُحْرِمة بحج أو عمرة ستر وجهها عند وجود الرجال الأجانب .
9ـ قال العلامة المرغيناني (فتح القدير ( 2 / 405) عند كلامه عن إحرام المرأة في الحج : « وتكشف وجهها لقوله عليه السلام : إحرام المرأة في وجهها ». قال العلامة المحقق الكمال بن الهمام تعليقًا على هذه العبارة : « ولا شك في ثبوته موقوفًا . وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أبو داود وابن ماجه ، قالت : كان الركبان يمرون ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذَونا سَدَلَت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه . قالوا : والمستحب أن تسدل على وجهها شيئًا وتجافيه ، وقد جعلوا لذلك أعوادًا كالقُبة توضع على الوجه يسدل فوقها الثوب . ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة وكذا دلَّ الحديث عليه » اهـ .
10 ـ وقال العلامة الحصكفي (الدر المختار ورد المحتار ( 2 / 189 ) عند كلامه عن إحرام المرأة في الحج : « والمرأة كالرجل ، لكنها تكشف وجهها لا رأسها ، ولو سَدَلَت شيئًا عليه وَجَافَتهُ جاز ، بل يندب » .قال خاتمة المحققين ، العلامة ابن عابدين في حاشيته على « الدر المختار » عند قوله : « بل يُندب » ، قال : « أي خوفًا من رؤية الأجانب ، وعبَّر في الفتح بالاستحباب ؛ لكنْ صرَّحَ في « النهاية » بالوجوب . وفي « المحيط » : ودلَّت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة ، لأنها منهية عن تغطيته لحقِّ النُّسك لولا ذلك ، وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة » . اهـ ونحوه في الخانية . ووفق في البحر بما حاصله : أنَّ مَحْمَلَ الاستحباب عند عدم الأجانب ، وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان ، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر ... » اهـ باختصار .
فأنت ترى من النصّين التاسع والعاشر تصريح فقهاء الحنفية بنهي المرأة أثناء الإحرام بالحج عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة ، وقولهم بوجوب ستره رغم أنها في أقدس الأمكنة مستدلين على ذلك بحديث عائشة السابق ذكره . فإذا كان الأمر كذلك وهي محرمة في أقدس البقاع ، فوجوب ستره في غيرها أَوْلى وأحرى بالاتِّباع .
* * *
ثانيا : مذهب المالكية :
1 ـ روى الإمام مالك ( الموطأ ـ 2 / 234 بشرح الزرقاني ، وانظر نحوه في : أوجز المسالك ـ 6 / 196) ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : « كنا نُخمّر وجوهنا ونحن محرمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق » .قال الشيخ الزرقاني « زاد في رواية : فلا تنكره علينا ، لأنه يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد الستر عن أعين الناس ، بل يجب إن علمت أو ظنت الفتنة بها ، أو يُنظر لها بقصد لذة . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله ، والخفاف ، وأن لها أَنْ تغطي رأسها ، وتستر شعرها ، إلا وجهها ، فَتُسدل عليه الثوب سدلًا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال ، ولا تُخَمِّر ، إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر ، فذكر ما هنا ، ثم قال : ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلًا ، كما جاء عن عائشة قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مُرَّ بنا سَدَلْنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات ، فإذا جاوزْنا رفعناه » اهـ .
2 ـ وقال الشيخ الحطَّاب (مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ـ 1 / 499) : « واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين . قاله القاضي عبد الوهاب ، ونقله عنه الشيخ أحمد زرّوق في شرح الرسالة ، وهو ظاهر التوضيح . هذا ما يجب عليها »اهـ .
3 ـ وقال الشيخ الزرقاني في شرحه لمختصر خليل : (( وعورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم غير الوجه والكفين من جميع جسدها ، حتى دلاليها وقصَّتها .وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما ، فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب ، إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم ، كنظر لأمرد ، كما للفاكهاني والقلشاني . وفي المواق الكبير ما يفيده . وقال ابن الفاكهاني : مقتضى مذهبنا أن ذلك لا يحرم إلا بما يتضمنه ، فإن غلبت السلامة ولم يكن للقبح مدخل فلا تحريم )) . وهذا كله ـ كما ترى ـ في حكم نظر الرجل الأجنبي المسلم إليها . أما حكم كشف وجهها فلم يتعرض الشارح له في هذا الموضع ، وستجده في الفقرة الرابعة المنقولة من حاشية الشيخ البناني عند كلامه على هذه العبارة نفسها ، فانتظره فإنه بيت القصيد . (( ومذهب الشافعيّ أَمَسُّ بسدِّ الذرائع ، وأقرب للاحتياط ، لا سيَّما في هذا الزمان الذي اتّسع فيه البلاء ، واتسع فيه الخرق على الراقع » . اهـ باختصار يسير ( شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 1 / 176) .
4ـ وقد كتب العلامة البنَّاني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل على كلام الزرقاني السابق (1 / 176 ، ونحوه في حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 289) . ) ما يلي » قول الزرقاني : إلا لخوف فتنة ، أو قصد لذة فيحرم ، أي النظر إليها ، وهل يجب عليها حينئذٍ ستر وجهها ؟ وهو الذي لابن مرزوق في اغتنام الفرصة قائلًا : إنه مشهور المذهب ، ونقل الحطاب أيضًا الوجوب عن القاضي عبد الوهاب ، أو لا يجب عليها ذلك ، وإنما على الرجل غض بصره ، وهو مقتضى نقل مَوَّاق عن عياض . وفصَّل الشيخ زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب عليها ، وغيرها فيُستحب »اهـ .
5 ـ وقال ابن العربي : « والمرأة كلها عورة ، بدنها ، وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة ، أو لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يَعنُّ ويعرض عندها » أحكام القرآن ( 3 / 1579) . قال محمد فؤاد البرازي : الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة ، أما إذا كان هناك خضوع في القول ، وترخيم في الصوت ، فإنه محرم كما سبق تقريره .
6 ـ وقال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره ( 12 / 229) : « قال ابن خُويز منداد ــ وهو من كبار علماء المالكية ـ : إن المرأة اذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة ، فعليها ستر ذلك ؛ وإن كانت عجوزًا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها » اهـ .
7 ــ وقال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري (جواهر الإكليل ـ 1 / 41 ) : « عورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم جميع جسدها غير الوجه والكفين ظهرًا وبطنًا ، فالوجه والكفان ليسا عورة ، فيجوز كشفهما للأجنبي ، وله نظرهما إن لم تُخشَ الفتنة . فإن خيفت الفتنة فقال ابن مرزوق : مشهور المذهب وجوب سترهما . وقال عياض : لا يجب سترهما ويجب غضُّ البصر عند الرؤية . وأما الأجنبي الكافر فجميع جسدها حتى وجهها وكفيها عورة بالنسبة له » اهـ .
8 ـ وقال الشيخ الدردير (جواهر الإكليل ـ 1 / 41 ) : « عورة الحرة مع رجل أجنبي منها ، أي ليس بِمَحْرَمٍ لَهَا ،جميع البدن غير الوجه والكفين ؛ وأما هما فليسا بعورة وإن وجب سترهما لخوف فتنة» اهـ .
ـ وقد أوجب فقهاء المالكية على المرأة المُـحْرِمة بحج أو عمرة ستر وجهها عند وجود الرجال الأجانب .
9ـ قال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري ( جواهر الإكليل ـ 1 / 41) في أبواب الحج : « حَرُمَ بسبب الإحرام بحج أو عمرة على المرأة لبس محيط بيدها كقُفَّاز ، وستر وجهٍ بأي ساتر ، وكذا بعضه على أحد القولين الآتيين ، إلا ما يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها الواجب ، إلا لقصد ستر عن أعين الرجال فلا يحرم ولو التصق الساتر بوجهها ، وحينئذٍ يجب عليها الستر إن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها ، لصيرورته عورة . فلا يقال : كيف تترك الواجب وهو كشف وجهها وتفعل المحَرّم وهو ستره لأجل أمر لا يُطلب منها ، إذ وجهها ليس عورة ؟ وقد علمتَ الجواب بأنه صار عورة بعلمِ أو ظنِّ الافتتان بكشفه »اهـ باختصار .
10ـ وقال الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي الأزهري ) الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني ـ 1 / 431) في باب الحج والعمرة : « واعلم أن إحرام المرأة حرة أو أَمَةً في وجهها وكفيها . قال خليل : وحَرُمَ بالإحرام على المرأة لبس قُفَّاز ، وستر وجه إلا لستر بلا غرز ولا ربط ، فلا تلبس نحو القفاز ، وأما الخاتم فيجوز لها لبسه كسائر أنواع الحلي ، ولا تلبس نحو البرقع ، ولا اللثام إلا أن تكون ممن يخشى منها الفتنة ، فيجب عليها الستر بأن تسدل شيئًا على وجهها من غير غرز ولا ربط » . اهـ باختصار يسير .
11ـ وقال الشيخ الدردير (الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي ـ 2 / 54، 55) : « حَرُمَ بالإحرام بحج أو عمرة على المرأة ولو أَمَة ، أو صغيرة ، ستر وجه ، إلا لستر عن أعين الناس ، فلا يحرم ، بل يجب إن ظنت الفتنة ... » اهـ .
12ـ وقال الشيخ عبد الباقي الزرقاني ( شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 2 / 290 ـ 291) في أبواب الحج : « حَرُمَ بالإحرام على المرأة لبس قُفَّاز ، وستر وجه ، إلا لستر عن الناس ، فلا يحرم عليها ستره ولو لاصقته له ، بل يجب إن علمت أو ظنت أنه يخشى منها الفتنة ، أو ينظر لها بقصد لذة ، وحينئذٍ فلا يقال : كيف تترك واجبًا وهو ترك الستر في الإحرام وتفعل محرمًا وهو الستر لأجل أمر لا يطلب منها ، إذ وجهها ليس بعورة ؟ فالجواب : أنه عورة يجب ستره فيما إذا علمت ، إلى آخر ما مر » اهـ وتمام العبارة : « أنه عورة يجب ستره فيما إذا علمت أو ظنت أنه يخشى منها الفتنة ، أو ينظر لها بقصد لذة » اهـ .
* ونستخلص من النصوص السابقة المأخوذة من المراجع المعتمدة عند المالكية أنه :
ـ يُسَنُّ للمرأة أن تستر وجهها عند تحقق السلامة والأمن من الفتنة ، وعند عدم النظر إليها بقصد اللذة .
ـ أما إذا علمت أو ظنت أنه يُخشى من كشف وجهها الفتنة ، أو ينظر لها بقصد لذة ، فيصير عورة يجب عليها ـ حينئذٍ ـ ستره ، حتى ولو كانت محرمة بحج أو عمرة . هذا هو مشهور المذهب كما حكاه ابن مرزوق . ولا شك أننا في زمن تحققت فيه الفتنة ، وانتشرت في أطرافه الرذيلة ، وامتلأت الطرقات بالمتسكعين الذين يتلذذون بالنظر إلى النساء ، فلا يجوز ـ والحال على هذا ـ عند المالكية أنفسهم ، ولا عند المذاهب الثلاثة الأخرى خروج المرأة كاشفة عن وجهها ، بل يجب عليها ستره .
* * * *
ثالثًا : مذهب الشافعية :
1 ـ قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في المنهج : « وعورة حُرَّة غير وجه وكفين« ... . قال الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على الكتاب السابق عند قوله : « غير وجه وكفين : وهذه عورتها في الصلاة . وأما عورتها عند النساء المسلمات مطلقًا وعند الرجال المحارم ، فما بين السرة والركبة . وأما عند الرجال الأجانب فجميع البدن . وأما عند النساء الكافرات ، فقيل : جميع بدنها ، وقيل : ما عدا ما يبدو عند المهنة » اهـ ( حاشية الجمل على شرح المنهج ـ 1 / 411) .
2ـ وقال الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي ( تحفة المحتاج بشرح المنهاج ـ 3 / 113 ـ 115 ، المطبوع بهامش حاشيتي الشرواني والعبادي ) في « فصل تكفين الميت وحمله وتوابعهما » : « يُكفن الميت بعد غسله بما لَهُ لُبْسُهُ حيًا ... ثم قال : وأقله ثوب يستر العورة المختلفة بالذكورة والأنوثة »اهـ .وقد كتب الشيخ الشرواني ( حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ـ 3 / 115) في حاشيته على تلك العبارة : « فيجب على المرأة ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها ، حرَّة كانت أو أمة . ووجوب سترهما في الحياة ليس لكونهما عورة ، بل لكون النظر إليهما يوقع في الفتنة غالبًا . شرح : م ر ــ أي شرح شمس الدين بن الرملي رحمهما الله تعالى .
3 ـ وذكر ابن قاسم العبادي في ( حاشيته على تحفة المحتاج ـ 3 / 115) نحو ذلك على العبارة نفسها ، فقال : « فيجب ما ستر من الأنثى ولو رقيقة ما عدا الوجه والكفين . ووجوب سترهما في الحياة ليس لكونهما عورة ، بل لخوف الفتنة غالبًا . شرح : م ر » اهـ .
4ـ وقال الشيخ الشرواني : « قال الزيادي في شرح المحرر : إن لها ثلاث عورات : عورة في الصلاة ، وهو ما تقدم ـ أي كل بدنها ما سوى الوجه والكفين . وعورة بالنسبة لنظر الأجانب إليها : جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد .وعورة في الخلوة وعند المحارم : كعورة الرجل »اهـ ـ أي ما بين السرة والركبة ـ ( حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ـ 2 / 112) .
5 ـ وقال أيضًا : « من تحققت من نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه ، وإلا كانت معينة له على حرام ، فتأثم » اهـ (حاشية الشرواني على تحفة المحتاج ـ 6 / 193) .
6 ــ وقال الشيخ زكريا الأنصاري : « وعورة الحرة ما سوى الوجه والكفين » فكتب الشيخ الشرقاوي في حاشيته على هذه العبارة : « وعورة الحرة .. أي : في الصلاة . أما عورتها خارجها بالنسبة لنظر الأجنبي إليها فجميع بدنها حتى الوجه والكفين ولو عند أَمنِ الفتنة » اهـ (تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب ـ 1 / 174) .
7 ــ وقال الشيخ محمد الزهري الغمراوي (أنوار المسالك شرح عمدة السالك وعدة الناسك ص 217 ) : (( ويحرم أن ينظر الرجل إلى شيء من الأجنبية ، سواء كان وجهها ، أو شعرها ، أو ظفرها ، حرة كانت أو أمة ...)) ثم قال بعد أربعة أسطر : (( فالأجنبية الحرة يحرم النظر إلى أي جزء منها ولو بلا شهوة ، وكذا اللمس والخلوة ؛ والأَمة على المعتمد مثلها ، ولا فرق فيها بين الجميلة وغيرها ...)) . ثم قال في الصفحة التي تليها : ويحرم عليها ـ أي المرأة ـ كشف شيء من بدنها ، ولو وجهها وكفيها لمراهق أو لامرأة كافرة »اهـ .
8 ــ وقال الشيخ محمد بن عبد الله الجرداني (فتح العلام بشرح مرشد الأنام ( 1 / 34 ـ 35 ) : « واعلم أن العورة قسمان : عورة في الصلاة . وعورة خارجها ، وكل منهما يجب ستره » اهـ .وبعد تفصيل طويل نافع قال تحت عنوان : « عورة المرأة بالنسبة للرجال الأجانب ، وما فيه من كلام الأئمة ، وحكم كشف الوجه : « وبالنسبة لنظر الأجنبي إليها جميع بدنها بدون استثناء شيء منه أصلًا ..ثم قال : ويجب عليها أن تستتر عنه ، هذا هو المعتمد ، ونقل القاضي عياض المالكي عن العلماء : أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة ، وعلى الرجال غض البصر عنها . وقيل : وهذا لا ينافي ما حكاه الإمام من اتفاق المسلمين على منع النساء بأن يخرجن سافرات الوجوه ، أي كاشفاتها ، لأن منعهن من ذلك ليس لوجوب الستر عليهن ، بل لأن فيه مصلحة عامة بسدِّ باب الفتنة . نعم : الوجه وجوبه عليها إذا علمت نظر أجنبي إليها ، لأن في بقاء الكشف إعانة على الحرام . أفاد ذلك السيد أبو بكر في حاشيته على فتح المعين نقلًا عن فتح الجواد . وضعَّفَ الرملي كلام القاضي ، وذكر أن الستر واجب لذاته . ثم قال : وحيث قيل بالجواز كره ، وقيل : خلاف الأَولى .وحيث قيل بالتحريم ــ وهو الراجح ــ حرم النظر إلى المُنَقَّبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها ، أي ما دار بهما ، كما بحثه الأذرعي ، لا سيَّما إذا كانت جميلة » اهـ ( فتح العلام بشرح مرشد الأنام ـ 1 / 41 ـ 42 ) ، ونحوه في مغني المحتاج ( 3 / 129) .
9ـ وقال الشيخ تقي الدين الحصني (كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار ( 1 / 181 ) : « ويُكره أن يصلي في ثوب فيه صورة وتمثيل ، والمرأة متنقّبة إلا أن تكون في مسجد وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر ، فإن خيف من النظر إليها ما يجر إلى الفساد حرم عليها رفع النقاب . وهذا كثير في مواضع الزيارة كبيت المقدس ، زاده الله شرفًا ، فليُجتنَب ذلك »اهـ .
10ـ وقال الشيخ محمد بن قاسم الغزي : « وجميع بدن المرأة الحرة عورة إلا وجهها وكفيها ، وهذه عورتها في الصلاة ، أما خارج الصلاة فعورتها جميع بدنها »اهـ (فتح القريب في شرح ألفاظ التقريب ( ص 19) .
11ـ وقد أجاز فقهاء الشافعية للمرأة المُـحْرِمة بالحج أو العمرة ستر وجهها عند وجود الرجال الأجانب ؛ بل أوجبه بعضهم . قال العلامة الرملي الشهير بالشافعي الصغير : « وللمرأة أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه بنحو خشبة وإن لم يُحتَج لذلك لحرٍّ وفتنة .. ولا يبعد جواز الستر مع الفدية حيث تعيَّن طريقًا لدفع نظر مُحرَّم .وقد كتب الشبراملسي في حاشيته عليه : « قوله : ولا يبعد جواز الستر أي : بل ينبغي وجوبه ، ولا ينافيه التعبير بالجواز ، لأنه جوازٌ بعد مَنع ، فيَصدُق بالواجب » اهـ (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، ومعه حاشية الشبراملسي ( 3 / 333) .
12ـ وقال الخطيب الشربيني : « وإذا أرادت المرأة ستر وجهها عن الناس أَرْخَت عليه ما يستره بنحو ثوب متجافٍ عنه بنحو خشبة ، بحيث لا يقع على البشرة . « وقد كتب البجيرمي في حاشيته على هذا القول : « فيه إشارة إلى وجوب كشف وجهها ولو بحضرة الأجانب ومع خوف الفتنة ، ويجب عليهم غض البصر ، وبه قال بعضهم . والمتجه وجوب الستر عليها بما لا يمسُّه » اهـ (حاشية البجيرمي على الخطيب ( 2 / 391) .
13 ــ ونقل الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ( أوجز المسالك إلى موطأ مالك ـ 6 / 197 ) نقلًا عن : شرح الإقناع .
في « باب تخمير المحرم وجهه » عن « شرح الإقناع » قوله : « وإذا أرادت » ستر وجهها عن الناس أَرْخَت عليه ما يستره بنحو خشبة ، بحيث لا يقع على البشرة . وفي حاشيةِ قوله : « إذا أرادت » ، فيه إشارة إلى وجوب كشف وجهها ــ أي في حالة الإحرام ــ ولو بحضرة الأجانب ، ومع خوف الفتنة ، ويجب عليهم غض البصر ، وبه قال بعضهم . والمتجه في هذه وجوب الستر عليها بما لا يمسُّه »اهـ .
* * * *
رابعًا : مذهب الحنابلة :
1ـ قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله تعالى ـ : « كل شيء منها ــ أي من المرأة الحرة ــ عورة حتى الظفر » اهـ (زاد المسير في علم التفسير ـ 6 / 31 ) .
2ـ وقال الشيخ يوسف بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي في ( مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام ـ ص 120 ) : « ولا يجوز للرجل النظر إلى أجنبية ، إلا العجوز الكبيرة التي لا تشتهى مثلها ، والصغيرة التي ليست محلًا للشهوة ، ويجب عليه صرف نظره عنها . ويجب عليها ستر وجهها إذا برزت » اهـ .
3ـ وقال الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (كشاف القناع عن متن الإقناع ـ 1 / 309) ) : « والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة حتى ظفرها وشعرها » لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « المرأة عورة » رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح . وعن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : « أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ قال : إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها » رواه أبو داود ، وصحح عبد الحق وغيره أنه موقوف على أم سلمة . « إلا وجهها » : لا خلاف في المذهب أنه يجوز للمرأة الحرة كشف وجهها في الصلاة . ذكره في المغني وغيره .
« قال جمع : وكفيها » واختاره المجد ، وجزم به في العمدة والوجيز لقوله تعالى :
﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [ النور : 31 ] قال ابن عباس وعائشة : وجهها وكفيها . رواه البيهقي ، وفيه ضعف ، وخالفهما ابن مسعود . « وهما » أي : الكفان . « والوجه » من الحرة البالغة « عورة خارجها » أي الصلاة « باعتبار النظر كبقية بدنها » كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم : « المرأة عورة » اهـ .
4ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري (الروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي ، مع حاشية العنقري ـ 1 / 140 ) : « وكل الحرة البالغة عورة حتى ذوائبها ، صرح به في الرعاية . اهـ إلا وجهها فليس عورة في الصلاة . وأما خارجها فكلها عورة حتى وجهها بالنسبة إلى الرجل والخنثى وبالنسبة إلى مثلها عورتها ما بين السرة إلى الركبة » اهـ .
5ـ وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ ( الفروع ( 1 / 601 ـ 602): « قال أحمد : ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية. ونقل أبو طالب : « ظفرها عورة ، فإذا خرجت فلا تبين شيئًا ، ولا خُفَّها ، فإنه يصف القدم ، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكـمّها زرًا عند يدها » . اختار القاضي قول من قال : المراد بــ ﴿ مَا ظَهَرَ ﴾ من الزينة : الثياب ، لقول ابن مسعود وغيره ، لا قول من فسَّرها ببعض الحلي ، أو ببعضها ، فإنها الخفية ، قال : وقد نصَّ عليه أحمد فقال : الزينة الظاهرة : الثياب ، وكل شيء منها عورة حتى الظفر » اهـ .
6ـ وقال الشيخ يوسف مرعي (غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى ـ 3 / 7 ) : « وحرم في غير ما مرَّ ــ أي من نظر الخاطب إلى مخطوبته ، ونظر الزوج إلى زوجته ، وغير ذلك ــ قصدُ نظرِ أجنبية ، حتى شعر متصل لا بائن . قال أحمد : ظفرها عورة ، فإذا خرجت فلا تبين شيئًا ، ولا خُفَّها فإنه يصف القدم . وأُحبّ أن تجعل لكمّها زرًا عند يدها » اهـ .
7ـ وقد أجاز فقهاء الحنابلة للمرأة المُـحْرِمة بحج أو عمرة ستر وجهها عند مرور الرجال الأجانب قريبًا منها . قال الشيخ ابن مفلح الحنبلي (المبدع في شرح المقنع ـ 3 / 168 ) ، وانظر أيضا : الروض المربع ( 1 / 484) : « والمرأة إحرامها في وجهها » فيحرم عليها تغطيته ببرقع ، أو نقاب ، أو غيره ، لما روى ابن عمر مرفوعًا : « لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القُفَّازين » رواه البخاري . وقال ابن عمر : إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه . رواه الدارقطني بإسناد جيد ..
فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها جاز أن تُسدل الثوب فوق رأسها على وجهها ، لفعل عائشة . رواه أحمد وأبو داود وغيرهما . وشَرَط القاضي في الساتر أن لا يصيب بشرتها ، فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها ، وإلَّا فَدَت لاستدامة الستر ، وردَّه المؤلف بأن هذا الشرط ليس عند أحمد ، ولا هو من الخبر ، بل الظاهر منه خلافه ، فإنه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البشرة ، فلو كان شرطًا لبُيِّن »اهـ باختصار .
8ـ وقال الشيخ إبراهيم ضويان (منار السبيل ( 1 / 246 ـ 247 ) أثناء كلامه عن محظورات الإحرام : « ... وتغطية الوجه من الأنثى ، لكن تُسدل على وجهها لحاجة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين » رواه أحمد والبخاري قال في الشرح : فيحرم تغطيته . لا نعلم فيه خلافًا إلا ماروي عن أسماء أنها تغطيه ، فيُحمَلُ على السدل ، فلا يكون فيه اختلاف . فإن احتاجت لتغطيته لمرور الرجال قريبًا منها سدلت الثوب من فوق رأسها ، لا نعلم فيه خلافًا . اهـ لحديث عائشة : « كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذَونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه » . رواه أبو داود والأثرم » اهـ .
* * * *
* الْخُلاصة :
 يستنتج من تلك النصوص التي سقناها من المصادر المعتمدة عند كل مذهب من تلك المذاهب الأربعة ما يلي :
1ـ وجوب ستر المرأة جميع بدنها ، بما في ذلك وجهها وكفيها عن الرجال الأجانب عنها . وقد رأى بعض أهل العلم أن الوجه والكفين عورة لا يجوز إظهارهما لغير النساء المسلمات والمحارم ، استنادًا إلى الحديث الصحيح : « المرأة عورة . « ورأى البعض الآخر أنهما غير عورة ، لكنهم قالوا بوجوب سترهما لخوف الفتنة نظرًا لفساد الزمن . فانعقدت خناصر المذاهب الأربعة على وجوب سترهما ، وحرمة كشفهما . لذا نقل « الإمام النووي » ، و« التقي الحصني » ، و« الخطيب الشربيني » ، وغيرهم عن « الإمام الجويني » إمام الحرمين اتفاقَ المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه . انظر : روضة الطالبين ( 7 / 21 ) ، وكفاية الأخيار ( 2 / 75 ) ، ومغني المحتاج ( 3 / 128 ـ 129) .
2 ـ دَلَّت النصوص التي سقناها عن المذاهب الأربعة على وجوب ستر المحرمة وجهها بغير البرقع والنقاب عند البعض ، وعلى جواز ستره بغيرهما عند مرور الرجال الأجانب بها عند البعض الآخر . وما ذلك إلا لصيانتها من نظراتهم رغم كونها محرمة .لهذا قال الحافظ ابن عبد البر (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ـ 15 / 108 ) : « أجمعوا أنَّ لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلًا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال إليها ، ولم يجيزوا لها تغطية وجهها ـ أي وهي محرمة بنحو خمار ـ إلا ما ذكرنا عن أسماء » اهـ .
وفي الوقفات المقبلة نوضح مشروعية النقاب عند أهل العلم من غير المذاهب الأربعة وعند المفسرين كذلك ، والله المستعان .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار