الاثنين، 17 نوفمبر 2014

حقوق الجار



حقوق الجار





قال الله تعالى: ]وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[[النساء: 36].

1- وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.

2- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة  فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» رواه مسلم 


وفي رواية له عن أبي ذر قال: إن خليلي أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف».


3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل من يا رسول الله ؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» متفق عليه 


وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن من جاره بوائقه» البوائق الغوائل والشرور.


4- وعنه قال قال رسول الله : «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» متفق عليه 


5- وعنه أن رسول الله قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» ثم يقول أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين؛ والله لأرمين بها بين أكتافكم 


روي «خَشَبَةََُ» بالإضافة والجمع، وروي «خشبةً» بالتنوين على الإفراد، وقوله: «ما لي أراكم عنها معرضين»، يعني: عن هذه السنة.


6- وعنه أن رسول الله قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو


ليسكت» .


7- وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت» رواه مسلم بهذا اللفظ وروي البخاري بعضه .


8- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا» رواه البخاري .



9- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره» رواه الترمذي 

- مشروعية إكرام الجار

يعود الإسلام المسلم على تنمية علاقة طيبة مع جميع الذين يجاورونه في منزله أو متجره أو في عمله أو في سفره.. ويعتبر أن ذلك حق مشروع ثابت في الكتاب والسنة .. وهذا الإكرام لا يقتصر على الجار في الدار أو العمل لكنه يتجاوز ذلك إلى علاقة طيبة بين الدول والجماعات خاصة الدول الإسلامية التي هي أولى بحسن الجوار، والإكرام.


برهان ذلك كله قوله تعالى: ]وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[ إلى قوله تعالى: ]وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ[[النساء: 36] .


قيل في تفسير الجار ذي القربى الجار الملاصق وقال ابن كثر في تفسيره (يعني الذي بينك وبينه قرابة) والجار الجنب البعيد غير الملاصق. قال القرطبي رحمه الله والجار ذي القربى أي القريب والجار الجنب أي الغريب قاله ابن عباس وكذلك هو في اللغة، وقالت عائشة: حق الجوار أربعون داراً من كل جانب، ومعنى الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر وقيل هو الزوج وقيل من سمع النداء فهو جار.

3- من حقوق الجار

قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري: واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والبلدي والغريب والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأولى كلها ثم أكثرها ثم أقلها.


ولقد بلغت منزلة الجار في نظر الإسلام درجة جعلت جبريل يكثر في وصيته به حتى ظن الرسول أن الجار سيرث جاره .


روي عن عائشة في الصحيحين أنها سمعت رسول الله يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».


وروي عن الرسول أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» .


وزاد في رواية في أوله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»


ويستدل من هذه الأحاديث على عظم حق الجار ونفي كمال الإيمان عمن يسيء إلى جاره.


ومن حقوق الجار عدم إلحاق الأذى به لحديث أبي هريرة «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»  الحديث وفي رواية


أخرى عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» ولحديث أبي شريح أن النبي قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن » قيل من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» ( أي شره، ومما يقوي المحبة بين الجيران التهادي لأمره بذلك.


ولذا كان من حق الجار إطعامه في المناسبات ولو بشيء يسير كالمرق ونحوه لحديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»  وأحق الجيران أقربهم بابًا لما روته عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» وإكرام الجار ليس مقصورًا على من هم على ديننا لكن يشمل حتى المخالفين فقد كان ابن عمر إذا ذبح شاة في بيته قال أأهديتم لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»  ويدخل في الوصية إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار به ومناصحته في حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


وجاء رجل إلى النبي يشكو جاره قال: «اذهب فاصبر فأتاه مرتين أو ثلاثًا فقال اذهب فاطرح متاعك في الطريق فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألون فيخبرهم خبره فيلعنون ذلك الجار المسيء - فعل الله به وفعل - كناية عن سخط الناس عليه فجاء إليه جاره فقال ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه»، رواه أبو داود بسند صحيح.



وهذه وسيلة عملية نبه الرسول إليها الصحابي لتكون درسا عمليا يشترك المجتمع في تأديب هذا الجار المؤذي وفي الحديث «الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له قان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم له حق الإسلام والرحم والجوار»  ومن حقوق الجار بدؤُهُ بالسلام والسؤال عن حاله ومعاونته عند الحاجة وعيادته إذا مرض وتعزيته وتهنئته وستره وغض البصر عن حريمه والتلطف مع أولاده وإرشادهم إلى الخير وأن لا يؤذيه بأوساخ ونحوها.



4- خير الجيران وأفضلهم

ويترتب على إكرام الجار الخيرية عند الله للحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح حسن قال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران خيرهم لجاره»


وذكروا للرسول امرأة تصلي الكثير وتصوم الكثير ولكنها تؤذي جيرانها فقال هي في النار .


ويعظم حق الجار الضعيف والمسكين والأرملة واليتم.


والجوار الذي تعارف عليه الناس هو في المنزل الذي يعيش فيه الإنسان ولكن العبرة بعموم اللفظ، فالجوار يشمل ما يجاورك في العمل، أو في المتجر، أو في المسجد، أو في الطريق أو الاجتماعات العامة، وكل ما يليك من نفس بشرية فهي في جوارك، وهذه المزية العظيمة للإسلام لا تجدها في النظم الأخرى، ويدخل في ذلك البلدة وما يجاورها والدولة المسلمة وما يجاورها، ويعظم الإثم مع الجار.


قال الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله لأصحابه: «لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره» 


وقال مثل ذلك عن السرقة، ويعتبر الجوار بين الدول مثل الجوار



بين الأفراد حيث يطلب فيه الإحسان، وما قامت الحروب، بين الدول المتجاورة إلا بسبب انتهاكها هذا المبدأ العظيم والله أعلم.

5- من حقوق الجيران

الجار هو القريب منك في المنزل وله حق كبير عليك فإن كان قريبا منك في النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة وحق الإسلام، وإن كان مسلمًا وليس بقريب في النسب فله حقان حق الجوار وحق الإسلام، وكذلك إن كان قريبًا وليس بمسلم فله حقان حق الجوار وحق القرابة وإن كان بعيدا غير مسلم فله حق واحد حق الجوار


قال تعالى: ]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[[النساء: 36].


وقال النبي «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.


فمن حقوق الجار على جاره أن يحسن إليه بما استطاع من  المال والجاه والنفع فقد قال رسول الله «خير الجيران عند الله خيرهم لجاره» .


وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآ،خر فليحسن إلى جاره» .


وقال أيضا «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» ومن الإحسان إلى الجار تقديم الهدايا إليه في المناسبات فإن الهدية تجلب المودة وتزيل العداوة.


ومن حقوق الجار على جاره أن يكف عنه الأذى القولي والفعلي فقد قال رسول الله «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن» قالوا من يا رسول الله قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» 


وفي رواية «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» والبوائق الشرور، فمن لا يأمن جاره شره فليس بمؤمن ولا يدخل الجنة.



وكثير من الناس الآن لا يهتمون بحق الجوار ولا يأمن جيرانهم من شرورهم فتراهم دائما في نزاع معهم وشقاق واعتداء على الحقوق وإيذاء بالقول أو بالفعل وكل هذا مخالف لما أمر الله ورسوله، وموجب لتفكك المسلمين وتباعد قلوبهم وإسقاط بعضهم حرمة بعض (.

6- الأدب مع الجيران

المسلم يعترف بما للجار على جاره من حقوق، وآداب يجب على كل من المتجاورين بذلها لجاره وإعطاؤها له كاملة، وذلك لقوله تعالى: ]وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[


وقول الرسول «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» 


وقوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» .


1- عدم أذيته بقول أو فعل لقوله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»


2- وقوله: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» فقيل له من هو يا رسول الله؟ فقال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»  .


وقوله «هي في النار» للتي قيل له إنها تصوم النهار وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها .


2- الإحسان إليه، وذلك بأن ينصره إذا استنصره، ويعينه إذا


استعانه ويعوده إذا مرض، ويهنئه إذا فرح، ويعزيه إذا أصيب، ويساعده إذا احتاج ويبدؤه بالسلام، ويلين له الكلام، ويتلطف في مكالمة ولده، ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه ويرعى جانبه ويحمي حماه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته، ولا يضايقه في بناء أو ممر، ولا يؤذيه بميزاب يصب عليه، أو بقذر أو وسخ يلقيه أمام منزله، كل هذا من الإحسان إليه المأمور به في قول الله تعالى: ]وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[ وقال الرسول «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره».


3- إكرامه بإسداء المعروف والخير إليه لقوله «يا نساء المسلمات لا تحقرن جاره لجارتها ولو فرسن شاة» 


وقوله: لأبي ذر: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» .


وقوله لعائشة رضي الله عنها لما قالت له إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا» .


4- احترامه وتقديره، فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره، ولا يبغ أو يؤجر ما يتصل به، أو يقرب منه حتى يعرض عليه ذلك، ويستشيره لقول الرسول «لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة


في جداره» 


وقوله: «من كان له جارا في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه» 


فائدتان:


الأولى: يعرف المسلم نفسه إذا كان قد أحسن إلى جيرانه، أو أساء إليهم بقول الرسول للذي سأله عن ذلك «إذا سمعتهم يقولون قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت» .



الثانية: إذا ابتلى المسلم بجار سوء فليصبر عليه فإن صبره سيكون سبب خلاصه منه، فقد جاء رجل إلى النبي يشكو جاره فقال له: «اصبر، ثم قال له في الثالثة أو الرابعة اطرح متاعك في الطريق» فطرحه فجعل الناس يمرون به ويقولون ما لك؟ فيقول، آذاني جاري، فيلعنون جاره حتى جاءه وقال له: «رد متاعك إلى منزلك فإني والله لا أعود» .

7- إكرام الجار من خصال الإيمان

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه» رواه البخاري ومسلم.


فقوله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفعل» كذا وكذا، يدل على أن هذه الخصال من خصال الإيمان فالأعمال تدخل في الإيمان.


وأعمال الإيمان تارة تتعلق بحقوق الله كأداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك قول الخير، والصمت عن غيره، وتارة تتعلق بحقوق عباده، كإكرام الضيف، وإكرام الجار، والكف عن أذاه.


فهذه ثلاثة أشياء يؤمر بها المؤمن:


أحدها: قول الخير، والصمت عما سواه.


الثاني: مما أمر به النبي في هذا الحديث المؤمنين.


إكرام الجار، وفي بعض الروايات النهي عن أذى الجار، فأما أذى الجار فمحرم، لأن الأذى بغير حق محرم لكل أحد، ولكن في حق الجار هو أشد تحريمًا.


وفي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي أنه سأل: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» قيل: ثم أي؟


قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قيل: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك».


وفي مسند الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله : «ما تقولون في الزنا؟» قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال رسول الله : «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، قال: فما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرام حرمها الله ورسوله فهي حرام قال: «لأن يسرق الرجل من عشر أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره».


وفي صحيح البخاري عن أبي شريح عن النبي قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن» قيل من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه».


وخرجه الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».


وخرج الإمام أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قيل يا رسول الله إن فلانة تصلي بالليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطة قال: «لا خير فيها هي في النار» وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأتوار، وليس لها شيء غيره، ولا تؤذي أحدا قال: «هي في الجنة» ولفظ


الإمام أحمد: ولا تؤذي بلسانها جيرانها.


وخرج الحاكم من حديث أبي جحيفة قال: جاء رجل إلى النبي يشكو جاره، فقال له: «اطرح متاعك في الطريق» قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه فجاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: «وما لقيت منهم؟» قال يلعنوني قال: «فقد لعنك الله قبل الناس» قال : يا رسول الله فإني لا أعود.


وخرجه أبو داود بمعناه من حديث أبي هريرة ولم يذكر فيه «فقد لعنك الله قبل الناس».


وخرج الخرائطي من حديث أم سلمة قالت: دخلت شاة لجارة لنا فأخذت قرصة لنا، فقمت إليها فأخذتها من بين لحييها فقال رسول الله «إنه لا قليل من أذى الجار».


فأما إكرام الجار والإحسان إليه فمأمور به، وقد قال الله تعالى: ]وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[[النساء: 36].


فجمع الله تعالى في هذه الآية بين ذكر حقه على العبد وحقوق العباد على العبد أيضًا، وجعل العباد الذين أمر بالإحسان إليهم خمسة أنواع.


أحدها: من بينه وبين الإنسان قرابة، وخص منهم الوالدين بالذكر، لامتيازهما عن سائر الأقارب بما لا يشركونهما فيه، وأنهما كانا السبب في وجود الولد، ولهما حق التربية والتأديب وغير ذلك.


الثاني: من هو ضعيف محتاج إلى الإحسان، وهو نوعان من هو محتاج لضعف بدنه وهو اليتيم، ومن هو محتاج لقلة ماله وهو المسكين.


الثالث: من له حق القرب والمخالطة، وجعلهم ثلاثة أنواع: جار ذو قربى وجار جنب وصاحب بالجنب، وقد اختلف المفسرون في تأويل ذلك فمنهم من قال: الجار ذو القربى، الجار الذي له قرابة، والجار الجنب، الأجنبي ومنهم من أدخل المرأة في الجار ذي القربى، ومنهم من أدخلها في الجار الجنب، ومنهم من أدخل الرفيق في السفر في الجار الجنب.


وقد روي عن النبي أنه كان يقول في دعائه: «أعوذ بك من جار السوء في دار الإقامة، فإن جار البادية يتحول» رواه ابن حبان في صحيحه.


ومنهم من قال: الجار ذو القربى: الجار المسلم، والجار الجنب: الكافر.


وفي مسند البزار من حديث جابر مرفوعًا: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقًا، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقًا، فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار، فأما الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار، فأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم فله حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم.».


وقد روي هذا الحديث من وجوه أخر متصلة ومرسلة، ولا تخلو كلها من مقال.


وقيل: الجار ذو القربى هو القريب الملاصق، والجار الجنب البعيد الجوار.


وفي صحيح البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال:«إلى أقربهما منك بابًا».


وقال طائفة من السلف: حد الجوار أربعون دارًا، وقيل:مستدار أربعين دارًا من كل جانب.


وفي مراسيل الزهري: «أن رجلا أتى النبي يشكو جارًا له، فأمر النبي بعض أصحابه أن ينادي: ألا إن أربعين دارًا جار».


وقال الزهري: أربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا، يعني ما بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.


وسئل الإمام أحمد عمن يطبخ قدرًا وهو في دار السبيل ومعه في الدار نحو ثلاثين أو أربعين نفسًا: يعني أنهم سكان معه في الدار، قال: يبدأ بنفسه وبمن يعول، فإن فضل فضل أعطى الأقرب إليه، وكيف يمكنه أن يعطيهم كلهم؟ قيل له لعل الذي هو جاره يتهاون بذلك القدر ليس له عنده موقع فرأى أنه لا يبعث إليه.


وأما الصاحب بالجنب ففسره طائفة بالزوجة، وفسره طائفة منهم ابن عباس بالرفيق في السفر ولم يريدوا إخراج الصاحب الملازم في الحضر، وإنما أرادوا أن صحبة السفر تكفي فالصحبة الدائمة في الحضر أولى.


ولهذا قال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح.


وقال زيد بن أسلم هو جليسك في الحضر، ورفيقك في السفر.


وقال ابن زيد: هو الرجل يعتريك ويلم بك لتسعفه، وفي المسند والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره»


الرابع: من هو وارد على الإنسان غير مقيم عنده، وهو ابن السبيل يعني المسافر إذا ورد إلى بلد آخر، وفسره بعضهم بالضيف، يعني به ابن السبيل إذا نزل ضيفًا على أحد.


الخامس: ملك اليمين، وقد وصى النبي بهم كثيرًا، وأمر بالإحسان إليهم، وروي أن آخر ما وصى به عند موته: «الصلاة وما ملكت أيمانكم».


وأدخل بعض السلف في هذه الآية: ما يملكه الإنسان من الحيوانات والبهائم.


ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة في إكرام الجار وفي الصحيحين عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه» فمن أنواع الإحسان إلى الجار، مواساته عند حاجته.


وفي المسند عن عمر رضي الله عنه عن النبي قال: «لا يشبع المؤمن دون جاره».


وخرج الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع».


وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: «ما آمن من بات شبعان وجاره طاويًا».


وفي المسند: عن عقبة بن عامر عن النبي قال: «أول خصمين يوم القيامة جاران».


وفي كتاب الأدب للبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: «كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة فيقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني يمنع معروفه».


وخرج الخرائطي وغيره بإسناد ضعيف من حديث عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي «من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن ، وليس مؤمنًا من لا يأمن جاره بوائقه، أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنيته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار  ريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرًا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده» ورفع هذا الكلام منكر، ولعله من تفسير عطاء الخراساني.


وقد روي أيضا عن عطاء عن الحسن عن جابر مرفوعًا «أدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك، إلا أن تقدح له منها».


وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي«إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءه، ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك فأصبهم منها بمعروف».


وفي رواية أن النبي قال: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» .


وفي المسند والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذبح شاة فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي. ثلاث مرات ثم قال سمعت النبي يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».


وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم.


ومذهب الإمام أحمد أن الجار يلزمه أن يمكن جاره من وضع خشبة على جداره إذا احتاج الجار إلى ذلك ولم يضر بجداره، لهذا الحديث الصحيح.


وظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يواسيه من فضل ما عنده بما لم يضربه إذا علم حاجته.


قال المروزي: قلت لأبي عبد الله: إني لأسمع السائل في الطريق يقول: إني جائع، فقال: قد يصدق وقد يكذب، قلت: فإذا كان لي جار أعلم أنه يجوع، قال: تواسيه، قلت: إذا كان قوتي رغيفين، قال: تطعمه شيئًا، ثم قال: الذي جاء في الحديث إنما هو الجار.


وقال المروزي: قلت لأبي عبد الله: الأغنياء يجب عليهم المواساة؟ قال: إذا كان قوم يصنعون شيئًا على شيء، كيف لا يجب عليهم؟ قلت: إذا كان للرجل قميصان أو قلت جبتان يجب عليه المواساة؟ قال: إذا كان يحتاج إلى أن يكون فضلاً، وهذا نص منه في وجوب المواساة من الفضائل، ولم يخصه بالجار ونصه الأول يقتضي اختصاصه بالجار.


وقال في رواية ابن هانئ في السؤال يكذبون: أحب إلينا لو صدقوا ما وسعنا إلا مواساتهم وهذا يدل على وجوب مواساة الجائع من الجيران وغيرهم.


وفي الصحيح عن أبي موسى عن النبي قال: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني».


وفي المسند وصحيح الحاكم عن عمر رضي الله عنه عن النبي قال: «أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله - عز وجل -».


ومذهب أحمد ومالك أنه يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره فيجب عندهما كف الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المضر به، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه.


ويجب عند أحمد أن يبذل لجاره ما يحتاج إليه ولا ضرر عليه في بذله.


وأعلى من هذين أن يصبر على أذى جاره، ولا يقابله بالأذى.


قال الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار احتمال الأذى.


ويروى من حديث أبي ذر: «إن الله يحب الرجل يكون له الجار يؤذيه جواره، فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما الموت أو ظعن» أخرجه الإمام أحمد.


وفي مراسيل أبي عبد الرحمن الحبلي أن رجلاً جاء إلى النبي يشكو إليه جاره فقال له النبي «كف أذاك عنه واصبر لأذاه، فكفى بالموت مفرقًا» خرجه ابن أبي الدنيا.


الثالث: مما أمر به النبي المؤمنين: إكرام الضيف، والمراد إحسان ضيافته.



وفي الصحيحين من حديث أبي شريح رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي رسول الله وسمعته أذناي حين تكلم به، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» قالوا: وما جائزته؟ قال «يوم وليلة» قالك «والضيافة ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو صدقة» .


8- الوصية بالجار

1- الوصية بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلمًا كان أو كافرًا، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» وروي عن أبي شريح أن النبي قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن» قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» وهذا عام في كل جار، وقد أكد عليه السلام ترك أذيته بقسمة ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهى عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه.


وروي عن النبي أنه قال: «الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار» 


2- روي البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، قال: «إلى أقربهما منك بابا»


فذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا الحديث يفسر المراد من قوله تعالى: ]وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى[[النساء: 36] وأنه القريب المسكن منك ]وَالْجَارِ الْجُنُبِ[ هو البعيد المسكن منك واحتجوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار، وعضدوه بقوله عليه السلام «الجار أحق بصقبه»  ولا حجة في ذلك.


فإن عائشة رضي الله عنها إنما سألت النبي عمن تبدأ به من جيرانها في الهدية فأخبرها أن من قرب بابه فإنه أولى بها من غيره، قال ابن المنذر: فدل هذا الحديث على أن الجار يقع على غير اللصيق، وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر هذا الحديث فقال: إن الجار اللصيق إذا ترك الشفعة طلبها الذي يليه وليس له جدار إلى الدار ولا طريق لا شفعة فيه له، وعامة العلماء يقولون: إذا أوصى الرجل لجيرانه أعطي اللصيق وغيره. إلا أبا حنيفة فإنه فارق عوام العلماء، وقال: لا يعطي إلا اللصيق وحده.


3- واختلف الناس في حد الجيرة فكان الأوزاعي يقول: أربعون دارا من كل ناحية، وقاله ابن شهاب، وروي أن رجلاً جاء إلى النبي فقال: إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم إلي جوارا أشدهم لي أذى، فبعث النبي أبا بكر وعمر وعليًا يصيحون على أبواب المساجد، ألا إن أربعين دارًا جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه  وقال علي بن أبي طالب: من سمع النداء فهو جار، وقالت فرقة، من سمع إقامة الصلاة فهون جار ذلك المسجد. وقالت فرقة، من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جار، قال الله تعالى: ]لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ[ إلى قوله: ]ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً[ [الأحزاب: 60] فجعل تعالى اجتماعهم في المدينة جوارًا، والجيرة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزوجة.


4- ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله : «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» فحض عليه السلام على مكارم الأخلاق، لما يترتب عليها من المحبة وحسن العشرة ودفع الحاجة والمفسدة، فإن الجار قد يتأذى بقتار  قدر جاره، وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعفائهم الشهوة، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة، لا سيما إن كان القائم ضعيفا أو أرملة فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة، وهذه كانت عقوبة يعقوب في فراق يوسف عليهما السلام فيما قيل، وكل هذا يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليه، ولهذا المعنى حض عليه السلام الجار القريب بالهدية، لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه، وأيضا فإنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة في أوقات الغفلة والغرة فلذلك بدأ به على من بعد بابه وإن كانت داره أقرب، والله أعلم.


5- قال العلماء: لما قال عليه السلام «فأكثر ماءها» نبه بذلك على تيسير الأمر على البخيل تنبيهًا لطيفًا، وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء، ولذلك لم يقل: إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها، إذ لا يسهل ذلك على كل أحد، ولقد أحسن القائل:


قدري وقدر الجار واحدة

 

وإليه قبلي ترفع القدر


ولا يهدي النذر اليسر المحتقر، لقوله عليه السلام «ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف» أي بشيء يهدي عرفا، فإن القليل وإن كان مما يهدي فقد لا يقع ذلك الموقع، فلو لم يتيسر إلا القليل فليهده ولا يحتقره، وعلى المهدي إليه قبوله، لقوله عليه السلام «يا نساء المؤمنات لا تحتقرن إحداكن لجارتها ولو كراع  شاة محرقا» أخرجه مالك في موطئه.


6- من إكرام الجار ألا يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به، قال رسول الله «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» ثم يقول أبو هريرة ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم، روي خشبه وخشبة على الجمع والإفراد، وروي أكنافكم بالنون، ومعنى لأرمين بها أي بالكلمة والقصة، وهل يقضي بهذا على الوجوب أو الندب؟ فيه خلاف بين العلماء فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، وليس ذلك على الوجوب؛ بدليل قوله عليه السلام «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» رواه الدارقطني.


7- ورد حديث جمع النبي فيه مرافق الجار، وهو حديث معاذ بن جبل، قال: قلنا يا رسول الله، ما حق الجار، قال: «إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن احتاج أعطيته وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير سرك وهنيته وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تعرف له منها ولا تستطل عليها بالبناء لتشرف عليه وتنسد عليه الريح إلا بإذنه وإن اشتريت فاكهة فاهد له منها وإلا فأدخلها سرًا لا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده، وهل تفقهون ما أقول لكم لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم الله»، أو كلمة نحوها وهذا حديث جامع وهو حديث حسن، في إسناده أبو الفضل عثمان بن مطر الشيباني غير مرضي .


8- قال العلماء: الأحاديث في إكرام الجار جاءت مطلقة غير مقيدة حتى الكافر كما بينا وفي الخبر قالوا: يا رسول الله أنطعمهم من لحوم النسك؟ قال: «لا تطعموا المشركين من نسك المسلمين» ونهيهعن إطعام المشركين من نسك المسلمين يحتمل النسك الواجب في الذمة الذي لا يجوز للناسك أن يأكل منه ولا أن يطعمه الأغنياء، فأما غير الواجب الذي يجزيه إطعام الأغنياء فجائز أن يطعمه أهل الذمة، قال النبيلعائشة عند تفريق لحم الأضحية «ابدائي بجارنا اليهودي» .


وروي أن شاة ذبحت في أهل عبد الله بن عمرو فلما جاء قال: أأهديتم لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرات سمعت رسول الله يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصية برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه ألا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: ]وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى[ أي القريب والجار الجنب أي الغريب قاله ابن عباس وكذلك هو في اللغة .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار