فإن للقلب مكانة عظيمة ، فهو ملك
الأعضاء ومصدر سعادتها وشقائها ، ومصدر صلاحها وفسادها ، كما قال رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) : ((
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا
وهي القلب ))
. ففي هذا الحديث دليل على أن صلاح أعمل العبد بحسب صلاح القلب وفسادها بحسب فساد
القلب ، فالقلب الصالح هو القلب السليم
الذي لا ينفع عند الله غيره { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
} .
معنى قسوة القلب :
من (ق س و) قَسَا قلبه غلظ واشتد يقسو قَسَاءَ بالفتح والمد و قَسْوَةً و
قَسَاوَةً أيضا ، جاء في اللسان قال أبو إسحق في قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك تأويل قست في اللغة غلظت ويبست ، فتأويل
القسوة في القلب ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه و قسا قلبه قسوة و قساوة و قساء
بالفتح والمد وهو غلظ القلب وشدته .()
قال ابن القيم : وأما القسوة فيبس في
القلب يمنعه من الانفعال، وغلظة تمنعه من التأثير بالنوازل، فلا يتأثر لغلظته
وقساوته لا لصبره واحتماله()
.
وقوة القلب المحمودة غير قسوته المذمومة فانه ينبغى أن يكون قويا من غير
عنف ولينا من غير ضعف وفى الأثر القلوب
آنية الله فى أرضه فأحبها الى الله أصلبها وارقها وأصفاها.
ما القلب القاسي :
القلب القاسي هو: الذي لا يخضع للحقِّ ولا يخشع أمامه.
* الذي لا تؤثِّر فيه النصيحة أو
التحذير.
* الذي لا تؤثِّر فيه المشاهد التي تدعو
للرقَّة، كتأوُّه المظلوم، أو شكوى اليتيم، أو عجز الضعيف، فيتصرَّف أمامها كمن لم
يرَ ولم يسمع.
آثار قسوة القلب
1- علامة الشقاء ، لحديث أنس رفعه أربعة
من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا أخرجه البزار.()
2- يكون صاحبه أحط من البهائم ، ويكون
مآله إلى جهنم ، قال تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا
يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم
أضل أولئك هم الغافلون } .
3- ذم الله لأصحاب القلوب القاسية المنافية
للخشوع فى غير موضع فقال تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد
قسوة}. قال تعالى {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } .
4- البعد من الله ، عن عبد الله بن
دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا تكثروا الكلام بغير ذكر
الله عز وجل فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل قسوة القلب وان أبعد الناس من
الله القلب القاسي().
5- القسوة تحريف الكلم عن مواضعه وذلك
من سوء الفهم وسوء القصد وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب
6- نسيان المأمور وارتكاب المحضور.
أنواع القلوب
قسم ابن القيم القلوب إلى ثلاثة()
: -
1-
قلب
قاس غليظ بمنزلة اليد اليابسة، فهذا لا ينفعل بمنزلة الحجر. لا تلين للحق اعترافا
وإذعانا ، لا تقبل ما يبث فيها ولا ينطبع فيها الحق ولا ترتسم فيها العلوم النافعة
ولا تلين لإعطاء الأعمال الصالحة.
2-
وقلب
مائع رقيق جدا ، وهو بمنزلة الماء وكلاهما ناقص .
3-
القلب
الرقيق الصافي الصلب، وهو أصح القلوب، فهو يرى الحق من الباطل بصفائه وبقلبه
ويؤثره برقته ويحفظه ويحارب عدوه بصلابته.
وقد ذكر سبحانه أنواع القلوب في قوله
ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن
الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به
فتخبت له قلوبهم فذكر القلب المريض وهو
الضعيف المنحل الذي لا تثبت فيه صورة الحق والقلب القاسي اليابس الذي لا يقبلها
ولا تنطبع فيه فهذان القلبان شقيان معذبان ثم ذكر القلب المخبت المطمئن إليه وهو الذي
ينتفع بالقرآن ويزكو به قال الكلبي فتخبت له قلوبهم فترق للقرآن قلوبهم وقد بين
سبحانه الأخبات ووصف المخبتين في قوله
وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم
والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون
فذكر للمخبتين أربع علامات وجل قلوبهم عند ذكره والوجل خوف مقرون بهيبة
ومحبة وصبرهم على أقداره وإتيانهم بالصلاة قائمة الأركان ظاهرا وباطنا وإحسانهم
إلى عباده بالإنفاق مما آتاهم وهذا إنما يتأتى للقلب المخبت قال ابن عباس المخبتين
المتواضعين وقال مجاهد المطمئنين إلى الله وقال الأخفش الخاشعين وقال ابن جرير
الخاضعين قال الزجاج اشتقاقه من الخبت وهو المنخفض من الأرض وكل مخبت متواضع
فالأخبات سكون الجوارح على وجه التواضع والخشوع لله ، فإن قيل كان معناه التواضع
والخشوع فكيف عدى بالي في قوله وأخبتوا
إلى ربهم قيل ضمن معنى أنابوا واطمأنوا
وتابوا وهذه عبارات السلف في هذا الموضع والمقصود أن القلب المخبت ضد القاسي
والمريض وهو سبحانه الذي جعل بعض القلوب مخبتا إليه وبعضها قاسيا
أسباب قسوة القلب
1-
الإكثار
من الكلام بغير ذكر الله (سبحانه وتعالى) ، فعن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فإن
كثرة الكلام بغير ذكر الله عز وجل قسوة القلب وان أبعد الناس من الله القلب القاسي().
2-
أكل
الحرام ، فإن المطعم الخبيث يغذي تغذية خبيثة .
3-
فعل
المعاصي ، فإن المعاصي تؤثر في القلوب وتمرضها ، قال تعالى { كلا بل ران على
قلوبهم ما كانوا يكسبون } . وقد ورد في الحديث أن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة
سوداء ، فإن تاب صقلت تلك النكتة ، وإلا تزيدت وعظم خطرها في القلب .
4-
استماع
مالا يجوز استماعه من الكلام المحرم ، وعلى رأسها الغناء الموسيقى ، وهي صوت
الشيطان وأداته لجذب جنوده ، قال تعالى { واستفززمن استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم
بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}
فالمراد بصوته هو الغناء .
5-
النظر
المحرم ، قال (صلى الله عليه وسلم) ((
النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ))
. وقال تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفضوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله
خبير بما يصنعون } .
6-
كثرة
الأكل ، فالشبع يجر إلى قسوة القلب والرين وطاعة الشهوة البهيمية وغير ذلك من
أنواع الفساد، ابن القيم : "وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر
الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة.
7-
الإعراض
عن قبول الحق بعد معرفته له قال تعالى { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا
يهدي القوم الفاسقين } . وقال { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون }
.
8-
الإفراط
في الممازحة ، أخرج الترمذي من حديث بن عباس رفعه لا تمار أخاك ولا تمازحه الحديث
والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر
الله والتفكر في مهمات الدين ويؤدي إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد وسقوط المهابة
والوقار والذي يسلم من ذلك هو المباح فإن صادف مصلحة مثل تطيب نفس المخاطب
ومؤانسته فهو مستحب.()
9- طول الأمل ونسيان بغتة الموت .
10-
الغفلة
عن ذكر الله عز وجل وشكره والثناء عليه .
11-
التهاون
في أداء الصلاة وعدم احترام مواقيتها وأركانها ووجباتها وسننها .
12-
عدم
الخشوع في الصلاة .
13-
عدم
التورع في الشبهات .
14-
كثرة
مجالسة الأغنياء من أهل الدنيا .
15-
الجرأة
على محارم الله عز وجل والتساهل في إتيان الذنوب مع الاعتماد على العفو والمغفرة
وسعة الرحمة .
16-
الغلظة
والفظاظة في التعامل مع الآخرين .
17-
قراءة
الكتب والقصص والأشعار التي تدعو الإلحاد والكفر ، أو ممارسة الجنس والشذوذ دون
قيد أو ضابط .
18-
الاستهانة
بالصغائر .
علاج قسوة القلب
1-
الإقبال
على الله وتلاوة كتابه العزيز وتدبره والاشتغال بذكره فقد قال تعالى {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر
الله تطمئن القلوب } . وقال {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون } . وقال {ألم يأن للذين آمنوا
أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } .
2-
الإكثار
من ذكر الله تعالى .
3-
تعلم
العلم الشرعي من القرآن والسنة.
4-
مجالسة
الصالحين ومخالطتهم والاقتداء بهم .
5-
الاستماع
إلى المواعظ والتذكير بجد والمحافظة على صلاة الجمعة والجماعة.
6-
النظر
والتفكر في مخلوقات الله وما فيها من الحكم .
7- النظر في عواقب الظلمة والمفسدين وما
أحل بهم من العقوبات ، قال تعالى {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على
عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد . أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو
آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } .
8- تذكر الموت والموتى، عن محمد بن قدامة
قال كان الربيع بن خيثم إذا وجد من قلبه قسوة أتى منزل صديق له قد مات في الليل
فنادى يا فلان بن فلان يا فلان بن فلان ثم يقول ليت شعري ما فعلت وما فعل بك ثم
يبكي حتى تسيل دموعه فيعرف ذاك فيه إلى مثلها.
9-
زيارة
المرضى ومواساتهم .
10- مسح رأس اليتيم ، عن محمد بن واسع أن
أبا الدرداء كتب إلى سلمان أن رجلا شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطعمه .
لأحمد من حديث أبي هريرة ان رجلا شكى إلى النبي
صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال
اطعم المسكين وامسح رأس اليتيم.()
11- الموعظة التي تلين القلوب القاسية وتدمع
العيون .
12- قيام الليل والحرص على ذلك.
13- التواضع وحسن الخلق.
14- الأكثار من أداء
النوافل.
15- الزهد بالدنيا، والإعراض عنها، وأخذ
الكفاية من متاعها.
16- حفظ الجوارح مما يغضب الله.
17- الكسب الحلال.
18- تذكر الجنة ونعيمها وقصورها وأنهارها
وزوجاتها وغلمانها والحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا تعب ولا نصب وأعظم من ذلك
رؤية الله رب العالمين.
19- تذكر النار وجحيمها وسعيرها وأغلالها
وزقومها وأوديتها وعقاربها وحياتها وطول المكث فيها، ونعوذ بالله ونستجير بالله من
عذاب جهنم. إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ
غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:65-66].
مراقبة
الله في السر والعلن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق