فإن
من الأخلاق الحميدة التي نادت إليها جميع الشرائع صلةَ الرحم .
والرَّحم
من الرَّحمة ، قال رسول الله r
:((قَالَ اللَّهُ : أَنَا الرَّحْمَنُ ، وَهِيَ الرَّحِمُ ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا
مِنْ اسْمِي ، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ)) (())
. أي : قطعته .
فالأقارب
يتراحمون فيما بينهم ، والمرحوم من قام بحق أرحامه .
صلة
الرحم من مسائل ديننا التي كثرت الآيات المذكرة بها المؤكدة عليها .
فبين
الله أنَّها ميثاق أخذه الله على مَن قبلنا فقال : } وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى{ (()) . وهذا ما أُمرنا به ، قال تعالى : }وَاعْبُدُواْ اللّهَ
وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي { (()).
وصلة
الرحم من خصال البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، قال تعالى : }لَّيْسَ الْبِرَّ
أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ
مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ{ (()) . وقال تعالى :} إِنَّ اللّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى{ (()) . وقال:} وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا{ (()) . وقال :} فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ
وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (()) . وأمر تعالى بأن تُتقى الأرحام وذلك بصلتها وعدم قطعها فقـال:} وَاتَّقُواْ اللّهَ
الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا { (()).
وجاءت السنة النبوية مؤكدة على هذا
الأمر العظيم ، حتى إن الكفار الذين كانوا ينأون بأنفسهم عن رسول الله r ويصدون الناس عنه علموا أن من الأخلاق التي
يدعو إليها نبينا r صلة الرحم ، فمن سؤالات هرقل لأبي سفيان
:"بم يأمركم "؟ قال :"
يأمرنا بالصدق والعفاف والصلة" (()) .
وجعل r من أعظم شعب الإيمان صلة الأرحام فقال : ((من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)) (()) . وثبت عنه قولُه
:(( إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ - ثَلَاثًا - إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ
بِآبَائِكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ)) (()).
وعنْ
طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ : قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ r قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ
يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ :((يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ
تَعُولُ ؛ أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)) (()).
وصلة الرحم من أبرز أخلاق نبينا r من قبل أن يُبعث ، فقد قالت له خديجة رضي
الله عنها لما جاء خائفاً وقال:((زملوني زملوني)) :" والله لا يخزيك الله
أبداً ، إنك لتصلُ الرَّحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلَّ ، وتَكسبُ المعدوم ،
وتَقري الضيف ، وتُعين على نوائب الحق " (()).
وأيم
الله إنه لكلام يُكتب بماء العين على جدار القلب !
فهذه
أخلاقه r قبل أن يُبعث .
ولما
جمع النبي r أقرباءه يدعوهم إلى توحيد الله قال لهم :
((غير أنَّ لكم رحماً سأبُلُّها بِبَلالها)) (()) . وبلُّ الرحم صِلتها.
قال الشاعر :
والرَّحْمَ فابْلُلْها
بِخَيْرِ البُلاَّن فإِنها اشتُقَّتْ من اسم الرَّحْمن
لقد
كفلت الشريعة الإسلامية أجراً عظيماً لمن قام بهذا الحق الكبير .
قال
تعالى :} وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا
أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ
الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ
الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{ (()).
وصلة
الرحم مثراة في المال بركة في الأعمار ، فعن أنس بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ r قَالَ :((مَنْ أَحَبَّ
أَنْ
يُبْسَطَ
لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) (()) . أي يُوسع له في رزقه
، ويُؤخر أجله ؛ لأن الله يقدر الأمور بأسبابها ، فقدر الله أن زيداً طويل العمر
وقدر أسباب ذلك .
وصلة
الرحم مجلبة لعون الله وتيسير الأمور ، أما ترى أن خديجة رضي الله عنها لما قال
للنبي r :" والله لا يخزيك الله أبداً "
استدلت لذلك بأمور أهمها صلته للرحم .
فإن
أردت أن يكون الله لك ..
أن
يكون عضدك ونصيرَك فصل رحمك .
إنَّ
واصل الرحم لا يُخزى لا في الدنيا ولا في الآخرة ..
أما
في الدنيا فلما سبق من كلام أمِّنا رضي الله عنها ..
وأما
في الآخرة فلأن صلة الرحم من خصال المؤمنين ، وقد قال رب العالمين :} يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ{ (()) .
صلة
الرحم – أيها المؤمنون - تسلك بالمرء سبيل الجنان ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى
عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنْ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ . قَالَ
:((تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي
الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ)) . فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :((إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ
الْجَنَّةَ )) (()).
وقال
عبد الله بن سلام :
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ
النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r . فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ
إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ r عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ
لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ :((أَيُّهَا
النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأرْحَامَ ، وَصَلُّوا
وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)) (()).
لقد
توعد اللهُ تعالى ونبيُّه r قاطعَ الرَّحم في نصوص كثيرة ..
قال
تعالى :} وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ
مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي
الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ{ (()) . وقال سبحانه :} فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{ (()) .
ألا
إن قاطع الرحم مغبون خاسر ، أوصد الله الباب بينه وبينه ، ومن تخلَّى الله عنه
فالهلاك أقربُ إليه من روحه التي بين جنبيه . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ r قَالَ : إِنَّ اللَّهَ
خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا
مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ . قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ
أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ .
قَالَ : فَهُوَ لَكِ . فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ }فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ { )) (()) . فالمراد بالقطع :
الحرمان من الإحسان .
وقطع
الأرحام سبب للعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r :((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ
اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحمِ )) (()).
وقاطع
الرحم لا يُقبل عمله ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ :((إِنَّ أَعْمَالَ
بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ
قَاطِعِ رَحِمٍ)) (()) .
وقاطع
الرحم لا يدخل الجنة لقول النبي r :((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)) (()) . أي : قاطع رحم .
لعل
قائلاً يقول : قد علمنا ما في صلة الأرحام من الثواب ، وما في قطعها من العقاب ،
لكن من هم الأرحام ؟
والجواب
: أن ذا الرحم كل من لك به علاقة من جهة الأب أو من جهة الأم ، سواء كان من الورثة
أم لم يكن ، سواء كان من المحارم أم لم يكن .
أما
ترى أن الله تعالى ندب أبا بكر إلى صلة قريبه مسطح بُعيد آيات الإفك فقــال :} وَلَا يَأْتَلِ
أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ { (()). ومسطح ابن خالته (()) . وابن الخالة ليس
من الورثة ، ولا من المحارم .
والمرء
مطالب بصلة الأقرب فالأقرب ، ومطالب بتقوى الله قدر استطاعته .
وتكون
صلة الرحم بالزيارات ، والمهاتفات ، والمكاتبات . وتتحقق الصلة بجميع أوجه إيصال
الخير ؛ من تلبية دعوتهم ، والسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم ، والوقوف معهم في
أفراحهم وأحزانهم ، وبسط النفس لهم ، وإرشادهم إلى الخير ، وأمرهم بالمعروف
ونهينهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة وهم أولى الناس منك بذلك ، والتغاضي عن
قبيح فعالهم ، ومساعدتهم وبذل المال لهم ؛ فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة لقول النبي r : ((الصَّدَقَةُ عَلَى
الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ
وَصِلَةٌ )) (()).
قال
أَنَسُ بن مَالِكٍ t :" كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ
الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ
إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ r يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ
مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ . فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :}لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ{ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ :}لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ{ ، وَإِنَّ أَحَبَّ
أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا
وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ . فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ
اللَّهُ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :((بَخٍ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ
مَالٌ رَابِحٌ . وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا
فِي الْأَقْرَبِينَ)). فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا
أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ "(()).
وتوعد نبينا e
من منع رحمه فضلاً عنده ، فقال:«ما من ذي رحم يأتي رحمه، فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه،
فيبخل عليه، إلا أخرج له يوم القيامة من جهنم حية يقال لها : شجاع، يتلَمَّظُ (())
، فيـُطَوَّقُ به» (()).
بارك
الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول
ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم
وللمؤمنين ، فاستغفروه إنه غفور رحيم .
فإن
هناك بعض العقبات في طريق صلة الرحم لابد للمسلم أن يحرص على تذليلها وعدم
الالتفات إليها .
من
هذه العقبات : المرأة السوء . فكثير من النساء لا يعجبها أن يكون زوجها واصلاً
لأرحامه ، فترى أن أقرباء زوجها يستولون على حيز من وقته وجهده وماله . وما علمت
المسكينة أن من الخير لها ولأولادها أن يكون زوجها واصلاً للرحم لما يترتب على ذلك
من خير عميم في العاجلة والباقية .
إن
الرجل الذي يخضع لهذه الرغبة الآثمة من زوجته لرجل هزيل ضعيف ، حري به أن يُراجع
نفسه وأن ينهض بها من هذا الحضيض .
والمرأة
الصالحة التقية هي التي تحمل زوجها على صلة أرحامه ، ولذا لما أعرض النبي r عن ابن عمه وابن عمته وهو في طريقه لفتح مكة
قالت له أم سلمة رضي الله عنها :" لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس
بك" (()) .
من
العقبات أن الأقرباء قد تقل صلتهم أم تنعدم ، فالإنسان ينبغي عليه أن يقوم بصلتهم وأن
جافاه أهله وقطعوه . يقول r :(( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ
وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)) (()).
ومنها
: أن الإنسان قد يُبتلى بأقارب سيئ الأخلاق ، وربما نالوا منه ووقعوا في عرضه ،
فلا ينبغي أن يقطعهم وإن كانوا على هذه الحال ؛ لأنك تريد ما عند الله لا ما عندهم
. ولذا لما خاض مسطح في حادثة الإفك وأقسم الصديق أن لن يُنفق عليه نزل قول الله
تعالى :} وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ
وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (()).
وقد
سأل رجل رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ الصَّدَقَاتِ
أَيُّهَا أَفْضَلُ فقال :((عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ)) (()) . والكاشح: العدوُّ الذي
يضمر عداوته ويطوي علـيها كَشْحه أَي باطنه (()).
وعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً
أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ
عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ :((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ
فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ
عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)) (()).
ولا
ينبغي أن يكون كفر أولي الأرحام مانعاً من الصلة ، إلا إذا ظهرت عداوتهم ، لقول
الله تعالى :} لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ (()) .
صلتك
للأرحام لا تسوغ الوقوع في بعض المخالفات الشرعية ، فلا تخلطن بين الأمور ، ولا
تجمع بين الحسن والقبيح . ومن هذه المخالفات التي يقع فيها بعض الناس : المصافحة
بين الجنسين من الأجانب ، والدخول بلا استئذان ، والدخول على النساء ، والاختلاط ،
والخلوة ، وغير ذلك ..
أسأل
الله بأسمائه وصفاته أن يجعلنا من خير عباده الواصلين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق