الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الادراك



الادراك

 

 

 









أولا: الإدراك الذهني (Perception)
تعريف: هو الآلية التي يتم من خلالها تكوين معنى شخصي لعمليات الاتصال التي نتعرض لها يوميا مثل تجربة ما أو إحساس ما. تتم هذه الآلية عن طريق ثلاث خطوات لمعالجة المعلومات والمثيرات أو المنبهات التي نحصل عليها من التجربة أو الإحساس، هذه الخطوات الثلاثة متتالية وهي: الاختيار ثم التنظيم ثم التفسير.
حتى ندرك الأمور ذهنيا يجب أولا أن نكون على وعي تام بما يجري ويدور حولنا، مثلا عند وقوع حدث ما, أو المرور بتجربة من أي نوع فإننا لن ندركها إذا لم نشعر بها. بعد مرحلة الوعي تأتي مرحلة التحليل الذهني لحصر هذه التجربة في نطاق ذهني مناسب ثم تحدث ردة الفعل أو الاستجابة.  وذلك يتطلب معالجة ذهنية متراكبة ومعقدة تعتمد على خلفية الشخص وتجاربه وعمره الزمني. مثلا عندما يرى طفل شخصاً جديداً فهو يدرك  ذهنيا المواصفات العينية الملموسة مثل الطول والشكل ولون الشعر ولا يدرك المواصفات المجردة مثل الصدق والإخلاص والذكاء وذلك لأن التركيبة العقلية لدى الطفل مازالت بسيطة غير معقدة أو متراكبة لقلة خبراته في الحياة.
1.    الاختيار (Selection)
ملايين المؤثرات التي نتعرض لها يوميا من البيئة المحيطة أو من عمليات الاتصال المختلفة تعمل على إثارة المشاعر وتنبيه الأفكار. وبما أنه من المستحيل وعي وإدراك والاحتفاظ بجميع المعلومات أو المؤثرات التي تواجهنا، فإن المخ يختار نسبة قليلة من هذه الموثرات ويعالجها عن طريق الوعي أو اللاوعي ويفرزها بناء على التجارب السابقة أو التأثر بآراء الآخرين ثم يحتفظ بها، ويتجاهل المخ المعلومات المتبقية. وبذلك تتم عملية الاختيار. ويكون الاختيار في المعلومات التي نسمح بالتعرض لها (Selective Exposure)، والمعلومات التي نسمح بالانتباه لها (Selective Attention)، وكذلك في المعلومات التي نسمح بالاحتفاظ بها (Selective Retention). وهذه الخطوات الثلاث تتم باستمرار في حياتنا اليومية، وهي خطوات تبدو أسهل بكثير من واقعها المركب. مثلا لكي نستطيع أن نركز انتباهنا على حدث معين (سماع المحاضرة مثلاً) يجب أن نتجنب جميع المؤثرات أو المشوشات المحيطة (حديث الأصدقاء أو صوت وقوع كتاب على الأرض مثلاً) والتي قد تقطع انتباهنا، وبالتالي نحتاج إلى مجهود أكبر للعودة إلى حالة الانتباه والتركيز. وكذلك في حالة اختيار المعلومات التي نحتفظ فهي أيضاً عملية مركبة وتحتاج إلى مجهود للاحتفاظ بها حيث تتطلب التنظيم والتفسير, ومن ثم مراجعتها بصفة مستمرة حتى نتمكن من استرجاعها. 
2- التنظيم (Organization)
بعد اختيار المعلومات والمؤثرات من البيئة المحيطة أو من عمليات الاتصال، يعمل المخ على فرزها وتصنيفها بعدة طرق منها :
·        الاستكمال (Closure) وهي عبارة عن تعبئة الفراغات في تجربة جديدة بناء على معلومات وخبرات سابقة وبذلك يصبح الحدث الناقص ذا معنى, وليس شرطا أن يكون المعنى الجديد
·       صحيحاً (انظر الشكل 1).   لذلك وجب علينا التأكد من معلوماتنا قبل إكمال الفراغات حتى لانقع في شرك استكمال الفراغات بمعلومات خاطئة أو متحيزة مما يؤدى إلى اتصال غير فعال.
·        التقارب (Proximity) يمكن تنظيم المعلومات أو المثيرات التي تواجهنا بالتقارب المكاني أو الزمني بناء على افتراض أن الأشخاص أو الأشياء التي تظهر معاً تكون متقاربة في السلوك أو الصفات ، ويستخدم عند استقبال مؤثرين أو أكثر متقاربين مكانيا. مثلا إذا رأينا صديقين يتواجدان سوياً في معظم الأحيان قد نستنج أنهما متقاربان في السلوك
·        التشابه (Similarity) وهو فرز مجموعة المعلومات أو المؤثرات المتشابهة في الشكل الخارجي في فئة واحدة. مثلاً إذا حصلت طالبتان على درجة مرتفعة في الاختبار لمقرر ما قد نستنتج أن مستوى الذكاء لديهما مرتفع، وغالبا ما يكون هذا الاستنتاج خاطئاً فليس بالضرورة إذا تشابهتا الاثنتان في صفة ما (درجة اختبار مرتفعة) أن تكونا أيضاً متشابهتين في صفة أخرى (الذكاء).
3- التفسير (Interpretation)
لإتمام آلية إعطاء المعنى الشخصي للمعلومات التي تم اختيارها، يعمل الدماغ على تفسير وترجمة المعلومات والمؤثرات المصنفة بناءاً على تجاربنا السابقة أو تجربة جديدة أو آراء الآخرين. وكلما كانت المؤثرات التي نختارها مألوفة لدينا وتتواءم مع حصيلة تجاربنا يصبح تفسيرنا لها أكثر وضوحاً. مثلاً عند دخولك الجامعة في السنة الأولى يتطلب التعرف على المباني المختلفة بعض الوقت ولكن مع مرور الوقت يكون التعرف على المباني، بعد رؤيتها، سهلاً و يصبح التنقل في رحاب الجامعة بدون صعوبة.
·              إدراك الذات
هذا التعريف لآلية الإدراك الذهني عموما والعوامل المؤثرة عليه يقدم لنا خلفية كافية للتعرف على آلية إدراك الذات. إن إدراكنا لذاتنا يحدد هويتنا وكذلك يشكل سلوكنا نحو الآخرين كما في المقولة المشهورة: كل إناء بما فيه ينضح. وقد أجمع علماء الفلسفة وعلماء الاجتماع على أن إدراك الذات يتكون من ثلاثة أجزاء : الذات المثالية, والذات الشخصية, والذات الاجتماعية. وفيما يلي تعريف بكل جزء ودوره في إدراك الذات.
1) الذات المثالية ( Ideal Self)
كثير منا يكون في مخيلته صورة مثالية يحب أن يكون عليها،  وغالباً ما نبدأ في تكوين هذه الصورة في مرحلة المراهقة، وتستمر معنا خلال مراحل الرشد (فترة النضج). هذه الصورة المثالية تختلف من شخص لآخر, كما تختلف في الشخص نفسه في مراحل حياته المختلفة. فكلما تقدمنا في العمر وزادت تجاربنا في الحياة كلما أصبحنا أكثر واقعية وأكثر معرفة بقدراتنا، وبناءً عليه تتغير هذه الصورة المثالية.
2) الذات الشخصية (Personal Self)
الذات الشخصية هي الصورة الحقيقية التي نرى بها أنفسنا, وهي تخضع لمعايير شخصية بحتة, ولذلك فهي قابلة للتحيز. لقد تعرف أحد علماء النفس بعد دراسة سلوك الاشخاص الذين يعتبرون أنهم سعداء بأنهم يغالون في تقديرهم لمدى تحكمهم في محيطهم, بمعنى أنهم يعتقدون أنه يمكنهم التحكم جيداً في البيئة المحيطة وفي الأحداث التي يواجهونها. وبذلك هم يعطون تفسيرا مبالغاً فيه في الإيجابية عن أنفسهم, كما يعتقدون أن الآخرين يشاركونهم في هذا التقييم ( Scott & Brydon, 1997).

3) الذات الاجتماعية (Social Self) 
الجزء الأخير من إدراك الذات يتعلق بالآخرين المحيطين بنا في مجتمعنا. فإن الصورة التي تتكون في ذهن الآخرين عنا تعكس اعتقاداتهم فينا، وفي كثير من الأحيان نبنى تصرفنا شعوريا أو لاشعوريا, على اعتقادات الآخرين عنا. مثلا يمكننا القول بأن الممثلين الكوميديين يدركون أنهم يبثون التسلية والضحك في المحيطين بهم  بناءً على اعتقاد المحيطين، المتمثل في الضحك على نكاتهم وأفعالهم. وقد أشار عالم الاجتماع Charles Cooley منذ مائة عام إلى أن الأشخاص يستخدمون الآخرين مرآة لهم, وهم بذلك يراقبون ردود أفعال الآخرين على تصرفاتهم ويتخذونها معايير تساهم في تقييم أنفسهم.
وتتداخل أجزاء إدراك الذات الثلاثة وتتفاعل مع بعضها في منظومة متكاملة لتشكيل إدراك الذات، بمعنى أن التغيير في أحد الأجزاء الثلاثة يؤثر على الجزئين الآخرين. كما تؤثر هذه الأجزاء الثلاثة في مجملها في كفاءة التواصل مع الآخرين، فإذا كانت النظرة إلى الذات سلبية ستؤثر سلباعلى "الذات الشخصية" مما يؤدى إلى تدني الثقة بالنفس في فاعلية الاتصال مع الآخرين, وبالتالي تؤدي إلى صعوبة
تفسير إشارات الاتصال وصعوبة تحقيق أهداف الاتصال.  ومما تقدم نستنتج أن إدراكنا لذاتنا من خلال الذات المثالية والشخصية والاجتماعية يؤثر على الصورة الذهنية التي يكونها الآخرون عنا.
·  مفهوم الذات العام والخاص
 من أشهر النماذج المتداولة في الاتصال نموذج نافذة جوهاري (The Johari Window) المسمى على اسم العالمين اللذين كونا هذا النموذج (وهما Harry Ingham and Joseph Luft في عام 1970م)، والذي يوضح أربعة مستويات مختلفة من المعرفة لمفهوم الذات أو النفس: وهي النفس المرئية
أو الظاهرة، النفس غير المرئية، النفس المخبأة، والنفس المجهولة . وتقسم نافذة جوهاري مفهوم النفس إلى أربعة أجزاء بناءً على مدى ماهو معروف للنفس (المفهوم الخاص)، وعلاقتها بما هو معروف للآخرين (المفهوم العام).  كما في (الشكل 4-أ). من الضروري أن تتساوى المساحات الأربع في النافذة. إذ تختلف مساحة كل جزء حسب إدراكنا الذاتي لعلاقتنا مع الآخرين وتقديرنا لمدى إدراكنا الشخصي لأنفسنا، ومدى انفتاح أنفسنا على الآخرين. وتتغير هذه المساحات بتغيير الطرف الآخر في عملية الاتصال
النفس المرئية: تحتوي على معلومات معروفة للنفس، وكذلك معروفة للآخرين، حيث إنها متاحة للاطلاع ولإمكانية المشاركة. والمساحة في هذا الجزء تكون صغيرة في بداية التعرف على الطرف الآخر وتتسع مع مرور الوقت الذي يسمح بمشاركة أكثر من المعلومات الشخصية مع الطرف الآخر.
النفس غير المرئية: تسمى أيضاً النفس العمياء، وتحتوى على معلومات خاصة يحصل عليها الطرف الآخر، ولكنها غير معروفة للشخص نفسه. مثلا عند تفضيل أحد الأبناء لدى الأب ويظهر ذلك لاشعوريا في سلوك الأب فيكون هذا السلوك غير معروف للأب فيدعي معاملة الأبناء بالمساواة، ولكنه معروف للابن.
النفس المخبأة: يحتوى هذا الجزء على معلومات شخصية وخاصة جدا لا نسمح بمشاركتها مع الطرف الآخر، فهي إذا معروفة للنفس وغير معروفة للآخرين. حيث إن الآخرين لا يمكنهم الاطلاع على مكنونات النفس إن لم نسمح لهم بالاطلاع عليها. وتقل هذه المسافة مع مرور الزمن وتطور العلاقة مع الطرف الآخر.
النفس المجهولة: تحتوى على معلومات غير معروفة للنفس وغير معروفة للآخرين. ومن الطبيعي كبت أو تجاهل بعض المعلومات عن النفس, وفي نفس الوقت لا يتمكن الآخرون من إدراكها. وفي الأحوال
العادية تكون مساحة هذا الجزء صغيرة وربما لا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال العلاج النفسي أو التدريبات النفسية مثل البرمجة اللغوية العصبية (NLP)
ومن هذا يتبين لنا أن نموذج نافذة جوهاري يقدم إحدى الطرق لمفهوم الذات وعلاقة الفرد مع الآخرين، ويوضح مدى انفتاح الفرد أو ما يسمح به في الانفتاح على الآخر مما يساعد على فهم تطور العلاقة مع الآخرين.
تحسين مفهوم الذات
لتحسين مفهوم الذات يجدر بنا اتباع النقاط الآتية:
1) اختيار وتحديد ماهو المطلوب تغييره بالضبط: في حالة الرغبة في التحسين أو التغيير يجب أولا تحديد ما هو المطلوب تغييره, وما هو الجزء الذي لا ترضى عنه وترغب في تحسينه.
2) الالتزام بتطوير مفهوم الذات: تطوير وتعديل الذات ليس بالأمر الهين ولكنه ليس مستحيلا أيضاً. قد نبدأ بقدر عال من الحماس ثم نواجه بعض الإخفاقات التي يجدر بنا التغلب عليها من أجل الاستمرار في الالتزام بالتطوير حتى لو كان التطور بطيئاً
3) الصدق مع النفس: الصدق مع النفس في التعرف على سبب  الشعور بالإخفاق في النفس، ولماذا تشكلت صورة الذات في الوضع الحالي والمطلوب تغييره.
4) القرار بإخلاص لتغيير مشاعرك نحو نفسك: إذا كنت قادرا على شرح المشكلة بالتفصيل يصبح من المحتمل جدا إيجاد الحل إذا كنت تسعى إليه بإخلاص.
5) وضع أاهداف منطقية ومعقولة: عند وضع أهداف التطوير يجب أن تكون واقعية ومعقولة. من غير المنطقي أن يتم التغيير بين عشية وضحاها، فالعملية تحتاج إلى السعي الدؤوب للوصول إلى الهدف.
6) انتقاء التواصل مع الأشخاص الذين تعتقد أنهم سيدعموك ويساعدوك في التغيير: حاول أن تتواجد مع أصدقاء أو رفقاء تتوسم فيهم الدعم والمساعدة وتشعر بالراحة في شرح مشاعرك لهم، وبالتالي تسهل عملية تعديل أو تطوير السلوك بالشكل المطلوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار