تعامَل مع القراءة
باعتبارها نشاطًا يوميًّا خفيفًا، ابتعد عن التوتر والقلَق والرقابة، جرِّب أن تقرأ
في مختلف المجالات، حاول أن تتناسى فكرة المؤلفات الضخمة والمجالات المعقَّدة: كالسياسة،
والاقتصاد، يمكنك أن تقرأ في مجال الفنون، الرسم، التجميل، التنمية البشرية... إلخ،
تَدرَّج في القراءة، وحقِّق التنوعَ، تَجنَّب كِبارَ الكُتَّاب في بداية مشوارك؛ لأن
الأسلوب اللغوي المتقدِّم قد يُعجِزك، تذكَّر أن من بين فوائد القراءة اكتساب مفردات
لُغويَّة جديدة مما يمنحك فرصة أكبر للتعبير عن نفسك، كما أنك ستكتسب أسلوبًا سواء
كان أدبيًّا أو علميًّا أو نقديًّا حين تقرأ.
انْسَ فكرةَ التفضيل
الخاصة بالكتاب المطبوع، فقد نال الكتابُ المطبوع تقديرًا وشهرة واسعة؛ لأنه كان أفضلَ
منافسيه؛ ولأن الكتاب الإلكتروني لم يكن متاحًا بعد، إن الكثيرين ممن يفضِّلون الكتاب
المطبوع قد خَبَروه عمليًّا في صِغَرهم وشبابهم، وهم يُفضِّلونه بحكم العادة لا شعوريًّا،
بالطبع يمكن عقْد مقارنة علميَّة بين طريقتَي النشر ووسيطي القراءة، ولكن لا تتأثَّر
بما يقوله الآخرون، وتخيَّر ما يُناسِبك، يمكنك تحويل حاسبك اللوحي لمكتبة رائعة تُبحِر
فيها كيفما تشاء ووقتما تشاء.
انزع عن رأسك الصورَ
والأفكارَ القديمة، الرواية لا تَقِلُّ أهمية عن المؤلف العلمي، فمَن يَملِك ميولاً
أدبيَّة قد يُفيد من الرواية بأكثر من المتعة والتسلية، فسوف يَكتسِب اللغةَ والأسلوبَ،
وسينشط خياله ويَكتشِف نفسَه ومهاراته، وربما يُقدِم على التجرِبة، وليس مستبعدًا أن
يتحوَّل إلى روائي مشهور في المستقبل.
لا تنسَ مستواك
اللغوي، يتفاوت الأشخاص من حيث المستوى اللغوي، وكذلك الكتب والمؤلفات المنتشرة سواء
في المكتبات أو عبر المكتبات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، إذا كنت تخطو خطواتك الأولى
في نشاط القراءة فتخيَّر الكتبَ الأقل حجمًا والأبسط موضوعًا والأيسر أسلوبًا، لماذا؟
لأنها ستُشجِّعك على إتمامها في زمن أقصر، لن تبذُل مجهودًا ضخمًا، ستشعر بلذَّة الانتهاء
من الكتاب، ستتجنَّب الإحباطَ، وبعد أن تُنجِز الكتابَ، انتقل لغيره، وتدرَّج من السهل
إلى الصعب.
اكتشف شخصيَّتك،
لكل شخص شخصيته المستقلة، ومن النادر إن لم يكن من المستحيل أن تجد اثنين بينهما تَطابُق
تام؛ لأجل هذا عليك أن تَكتشِف نفسك: ماذا تحب؟ ماذا تكره؟ أي المجالات تُشعِرك بالمتعة
حين تقرأ بها؟ أي أساليب اللغة يُناسِبك؟ أي الفنون يستهويك ويُشبِع رغباتك؟ وسبيلك
إلى ذلك هو التجرِبة، فأنت لن تعرف أنك تحب القراءة في كتب التاريخ ما لم تُجرِّب كتب
التاريخ، وكذلك السياسة والتنمية البشرية وعلم النفس...إلخ، لهذا درِّب نفسَك على خوض
التجرِبة، لا توجد مشكلة حين تُقدِم على قراءة كتاب ثم تتوقَّف بعد أن تُنهي ثلثَه
أو نصفَه؛ لأنه لم يُعجِبك، ربما لم يجذبك موضوع الكتاب أو الكاتب، ربما كانت لغته
أعلى من مستواك اللغوي، لا مشكلة فقط جرِّب غيره، واستمرَّ بالمحاولة.
فخ القدوة هو أيضًا
أحد أسباب المشكلة، من الطبيعي أن يكون لك قدوة ومَثَلٌ أعلى في هذه الحياة، لكن هذا
لا يعني أن تَفرِض قدوتَك عليك في كل المجالات، أنت تعتبر والدك مثلاً أعلى لك، أو
عمك المقرَّب، أو أخاك الأكبر أو مُعلِّمك، تُعجِبك صفات خاصة في شخصية الواحد منهم،
تُقدِّره وتتمنَّى أن تصبح في المستقبل صورة له، ولكنك قد تنسى أن لكل فرد ميولَه وشخصيَّته
المتميزة، قد يكون والدك محبًّا للسياسة، فهو حين يقرأ في مجال السياسة يشعر بالمتعة
وليس الفائدة فقط، وأنت تريد أن تصبح مِثْل والدك، فتربِط نشاطَ القراءة بالسياسة على
الرغم من أنك تكاد تختنق حين تقرأ مؤلَّفًا سياسيًّا، فما هي النتيجة؟ ستشعر بالضيق
من نشاط القراءة، وستنسحب عنه رويدًا رويدًا، وقد تشعر بنقص في الثقة بالنفس كذلك.
والآن اكتشف أن
سبب نفورك من عملية القراءة أو فكرة القراءة كنشاط في يومك، قد يعود لمفهومك عن القراءة
وكونه محدودًا بقراءة الكتاب المدرسي أو مؤلَّف ضخم، ومن بين الأسباب الأخرى: الصور
الذهنية التي تَحمِلها داخل عقلك، والصور الذهنيَّة تتكوَّن لدى الفرد منذ سنواته الأولى،
فعندما كنت تُشاهد والدَك يقرأ في صِغَرك كنت تراه جالسًا على مكتبه أو كرسيِّه يُطالِع
مؤلفًا كبيرًا - زاد من حجمه صِغَرُ سنِّك بالطبع - يرتدي نظارته الطبية؛ ولأن تلك
الصورة قد تكوَّنت لديك في الصِّغر، وارتبطت بنشاط القراءة، فبتَّ ترى أنه حين يتوجَّب
عليك أن تقرأ، فعليك أن تُحقِّق صورةَ والدك، ومع اختلافات العصر ظهرتْ الصراعات التي
أعجزتك عن ذلك، فالمؤلَّف الضخم بيد والدك أصبح الآن حاسبًا لوحيًّا بيديك، والنظاره
اختفت، ولم تَعُد بحاجة إلى المكتب؛ لأن بيديك جهازًا خفيف الوزن ومضاء بشكل جيد، فيمكنك
أن تستلقي على الأريكة أو الكرسي لتقرأ بهدوء، أو حتى تذهب لمكان مفتوح مُتجدِّد الهواء
لتقرأ، ولكن صورة والدك المختزَنة داخل عقلك تُهاجِمك باستمرار، وتُؤنِّبك لا شعوريًّا
بأنك لا تقرأ كما ينبغي، لهذا راقِب صورَك الذهنية.
إذًا؛ أنت بحاجة
لمعلومات وسبيلك إليها في الكثير من الأحيان هو القراءة، وهذا يعني أن مطالعتك للأخبار
عبر موقع الصحيفة الإلكتروني، أو اطلاعك على معلومة طريقة، أو حتى أخبار أصدقائك عبر
مواقع التواصل الاجتماعي يُعَد نشاطًا قرائيًّا، من هنا قيل: إن القراءة غذاء للعقل
لا بد منه، وسواء كنت تقرأ ما يفيد أم لا، فأنت بحاجة لتقرأ كمَن يتناول الطعامَ سواء
كان صحيًّا أم لا، على كل الغذاء غير الصحي والسيئ له أضرار، سواء كان غذاء للعقل أم
الجسد.
هناك مَن يرى أن
القراءة ليست هُواية يُمارِسها الشخص لتَمضية الوقت؛ وإنما هي ضرورة كالماء والهواء
والطعام، لماذا؟ وهل هذا القول صحيح؟ للإجابة عن سؤال "لماذا؟" فيمكن القول:
إن القراءة ضرورة؛ لأنها غذاء العقل؛ فالعقل كي يُفكِّر ويُحلِّل ويُفسِّر ويتَّخِذ
القرارات أو المواقف في الحياة تَلزَمه المعلومات، ونحن نَحصُل على المعلومات من مصادر
متعدِّدة، منها: الحواس، والأشخاص المحيطون بنا، ومنها وسائل الإعلام، ومن بينها الوسائل
المطبوعة التي تحتاج لمهارة القراءة لاكتساب المعلومات منها، ومنها أيضًا: وسائل النشر
الإلكتروني، سواء على أجهزة الحاسب، وخاصة اللوحية أو الهواتف المحمولة، كما أن شبكة
(الإنترنت) مصدرٌ ثريّ وخِصْب للحصول على المعلومات، وذلك المصدر الأخير بشكل خاص يبقى
دون فائدة أو قيمة إذا لم تكن تُتقِن مهارة القراءة لتفسير رموزه التي يُقدِّمها لك.
"أنا لا أُحِب
القراءةَ" "القراءة مُمِلَّة" "لا أتحمَّل القراءةَ فترات طويلة"
"هناك ما هو أمتع من قراءة كتاب"، تلك العبارات وغيرها الكثير مما يُردِّده
الكثيرون، فإن كنتَ أحدهم فأنت على الأرجح تُعاني من مشكلة، وعليك اكتشاف حلٍّ لها.
القراءة بداية:
هي عمليَّة عقلية
يتم فيها استقبال رموز ما عن طريق الحواس، ومن ثَمَّ تفسيرها داخل العقل، هذا يعني
أن القراءة ليست إلا عملية تفسير الرموز، لهذا اطْرَح عنك أولاً الاعتقادَ بأن القراءة
تعني أن تُمسِك بين يديك بكتاب ضخم ذي أسلوب لُغوي مُعقَّد، وأن ترتدي نظارة طبيَّة،
وتجلس لساعات طويلة على مكتبك أو طاولتك مُنعزِلاً عن الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق