الأحد، 16 نوفمبر 2014

الأخلاق بين الفطرة والاكتساب




الأخلاق بين الفطرة والاكتساب










الأخلاق بين الفطرة والاكتساب

الأخلاق منها ما هو طبيعة وجبلة يفطر عليها الإنسان ، ومنها ما هو مكتسب يحصل بمجاهدة النفس وترويضها على خُلق من الأخلاق حتى تتطبع به ، ومن الشواهد على ذلك قول النبي لأشـج عبد القيس : ( إن فيك خلتين يحبهما الله ؛ الحلم والأناة ) ، قال يا رسول الله : أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ، قال : ( بل الله جبلك عليهما ) ، قال : الحمد لله الذي جبلني


على خلتين يحبهما الله ورسوله ) (1) ، فدل هذا على أن من الخلق ما هو طبيعة وجبلة ، ومنه ما هو مكتسب (2) .


       ولو لم يكن من الأخلاق ما يحصل بالاكتساب ؛ لم تأمر النصوص الشرعية بالتحلي بالأخلاق الصالحة وتَـنْـهَ عن الأخلاق السـيئة ، ولو لم يكن ذلك ؛ لاسـتغنى الناس عن الوعظ والتذكير ، وتركوا مجاهدة النفس .


     لقد وردت جملة من الآيات تأمر بالأخذ بالأخلاق الكريمة الفاضـلة وتنهى عن الأخـلاق السـيِّئةِ الدنيئة ، من ذلك ؛ قول الله تعـالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(3) ، وقول الله تعالى : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( 134) }(4)  ،  وقوله سبحانه : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  ( 90)  وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ  (91) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ  إِنَّمَا  يَبْلُوكُمُ  اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ  لَكُمْ  يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ  (92) }(1)  ،  وغيرها كثير .


        وفي السنَّةِ كذلك نصوص تدل على أنَّ الأخلاق الصالحة يمكن اكتسابها عن طريق مجاهدة النفس والتطبع حتى تأخذ بها النفس في ، منها قول النبي : ( ومن يستعفف يعفه الله ، ومن


يستغن يغنه الله ، ومن يتصبَّر يصبره الله ، وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) (2) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحرى الخير يعطه ، ومن يتوقى الشرَّ يوقه ) (3) .


       إذا ثبت ذلك ، فإنَّ الاكتساب للأخلاق يقع على ضربين اثنين :


الضرب الأوَّل : الاكتساب عن طريق الدوافع الذاتية ، وسيأتي الكلام عن ذلك عند قواعد إصلاح الأخلاق والسلوك .


الضرب الثاني : الاكتساب عن طريق الدوافع الخارجية ، ومن أمثلة ذلك :


تأثـير القائم على تربية الطفل من أبٍّ أو معلِّمٍ ونحوهما .


    وهو أبلغ أنواع التأثيرات ، وذلك لاستعداد الطفل لقبول التأثير ، وسلامته من الموانع التي تحول دون قبوله ، ولذلك قد يُحدث هذا النوع من التأثير تحولات كليَّة ترسم للطفل مساراً مبايناً لما كان عليه من الأخلاق والسلوك ، كما يشهد لذلك قول النبي : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) (1) .


       إنَّ الوسائل والأساليب التي تدفع الطفل إلى الصالح من الأخلاق والسلوك ، والتي يمكن للسائس والمربي  أن يأخذ بها في تربيته ؛ كثيرة متنوعة ، من أهمها :


الوعظ والتوجيه المباشر ، ومن أحسن الشواهد على ذلك وصية لقمان لابنه ، والتي حملت توجيهات من الأب للابن في آداب المعاملة مع ربِّه ، ومع نفسه ، وكذلك مع الآخرين ، يقول الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ


عَظِيمٌ{13} وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{15} يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{16} يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{19}(2)  .



  فتح ذرائع الخير أمام الصغير 

: وأوَّل ذلك ؛ أن يكون القائم على التربية قدوة حسنة تهدي إلى الخير بأفعالها وتدل عليه ، ثمَّ يتخيَّر له من البيئة التي تحيط به ، ومؤسسات التعلم والمعرفة وطرائقها ، ومن الصحبة ، ووسائل الترويح ؛ ما يبعث على الصلاح ، وينأى به عن الفساد .

سدُّ ذرائع الشَّر لئلا يلج إليه : 

وذلك بإبعاده وصرفه عن كل أمر يؤول إلى فساد وانحراف في الأخلاق والسلوك ، سواء تعلق ذلك بالبيئة المحيطة به ، أو بوسائل التعليم وطرق المعرفة ، أو غير ذلك .

تأثـير ( سلـطان ) المجـتمع على الأفـراد .

     فالإنسان مدني بطبعه ، وبوجود الفرد مع الجماعة لا بدَّ من تأثُّره بها سلباً أو إيجاباً ، ولذلك ؛ فإنَّ الشخص إذا نشأ في مجتمع يأخذ بالفضيلة في الأخلاق والسـلوك ؛ قلَّ أن يفارق مجتمعه في أخلاقه وسلوكه ، وكذلك العكس إذا نشأ في مجتمع جرت عوائده وأعرافه على الميل والانحراف عن الصواب والفضيلة ؛ فإنَّه يسـير على ما جرت عليه العوائد .


        إن الواجب في مجتمعات أهل الإيمـان ؛ أن تلتزم بالفضيلة في أخلاقها وسلوكها ، وإذا خرج عن ذلك فردٌ من أفرادها ؛ وجب على من حوله من المسلمين أن ينصحوا له ، وأن يأخذوا على يده حتى يفيء إلى الصواب ، وفي ذلك سبيلٌ لسـلامة الفرد والمجتمع ، يقول الله تعالى : {وَالْعَصْرِ 



(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  (2)  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ   (3)  }(1) ، ويقول النبي : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ؛  كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ) (2) .

تأثـير المجتمعات والجماعات بعضها على بعض .

      وهذا النوع منه تأثير إيجابي ؛ ومن أمثلته : تأثير المسلمين في الفتوحات الإسلامية على المجتمعات التي خالطتهم واستحسنت أخلاقهم وسيرتهم .



       ومنه تأثير سـلبي ؛ كتأثير الملأ والسـادة والكبراء على الضعفاء والسوقة في ردِّ دعوة الرسل والرسالات ، وظلم أتباعهم ، وصدِّ الناس عنهم ، وكتأثير المجتمعات التي حصلت لها الغلبة المادية والعسكرية والتي تعاني من أمراض الأخـلاق والسلوك ؛ على المجتمعات التي تعاني العـجز والضعف في المادة وآلة الحرب ، وهذا " المذكور آخراً " هو من أوسع أبواب التغيرات الأخلاقية والـسلوكية في واقعنا المعاصر ، خاصة مع كثرة وسائل وجسور انتقال الثقافات والعوائد من مجتمع إلى آخر دون كثير عناء أو تعب .

التدابير السلطانية في الدولة .

        من ذلك وضع الدولة للمناهج التعليمية والتربوية التي تؤسس وتبني القيم الأخـلاقية ، وكذلك سنُ القوانين التي تحمل على سلوك معين وتردع عن اقتراف ما يضاده ، وما يتبع ذلك من إنشاء المؤسسات السلطانية التي تعمل على إنفاذ هذه النظم والقوانين .


      إنَّ الواجب على السلطة الحاكمة في الدولة الإسلامية ؛ وضـع المناهج التعليمية والتربوية التي تؤسـس وتبني القيم الأخلاقية المرضيَّة ، وكذلك سنُ القوانين التي تحمل على الفضيلة وتردع عن


اقتراف الرذيلة ،  وإنشاء مؤسسات الحسبة السلطانية - وهي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على اختلاف أسمائها – التي تمنع من ظهور الأخلاق السيئة وشيوعها ، وتقوِّم السلوك المعوج ، وهذه الأعمال ؛ ليست من نافلة الأعمال السلطانية وسفساف الأمور ؛ بل هي من المقاصد المعتبرة التي وضع السلطان – الحاكم – لأجلها ، كما يشهد لذلك قول الله : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّــلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْــرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) }(1) ، والواجب على المجتمع المسلم أن ينظر إلى وجود هذه الهيئات على أنَّه من الأعمال التي تلزم عن الرضا بالله ربَّا وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً ، وهي التي تدل على صدق الانتماء ، وثبوت الهُـويَّة .


        إنَّ حمل الأفراد على السـلوك بهذه الدوافع الخارجية ؛ قد لا يعدُّ خـلقاً للفرد الذي حُمـل عليه أوَّل الأمر ، ولكن مع مرور الزمان ؛ يحصـل ترويض النفس على السلوك فيصير لها طبعاً ، وتنكر غيره


قوَاعِــدُ مُهمَّة فِي إصْلاحِ الأخْلاقِ والسُّلوْك


الإقـرار والاعـتراف بالخـطأ


         يدعو إلى ذلك ؛ المعرفة والعلم بحقيقة الإنسان ، فإنَّ الإنسان مع تكريم الله تعالى له ، وجعله خليفة في الأرض ، وما حباه الله واختصَّه به من النعم ؛ لم يتصف بالكمال المطلق الذي لا يشوبه نقص ، ولهذا أخبرنا ربُّنا الذي خَلَقَ الخَلْقَ عن كثير من النقص الذي رُكِّب في طبيعة الإنسان ، كما في قوله : { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28)  } (1) ، وقوله تعالى : {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) }(2) ، وقوله :


{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11 ) }(3) ، وقوله : { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً  (19)  }(4) ، وقوله : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً  (72) }(5)  ، وقد أخبر النبي بشيء من ذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام : (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) (6).


       والإنسان في سيره وكسبه ؛ يكتنفه الانحراف والميل عن الأخلاق الصالحة والسلوك القويم تبعاً للأسباب والعوامل التي تلم به ،  وهي كثيرة متعددة ، ولكن يوجد بينها من الترابط والتداخل الشيء الكثير ، فمن أبرزها :


ميْلُ الفِـطْرةِ وانْحِـرَافُهَا .


الترك والإعراض عن الإيمان الصحيح والاعتقاد السليم .              


الجهـل بمصـدر التلقي وميزان الأخلاق والسلوك [ الوحي من الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة ] .        


مَـرَضُ القَـلْب .       


إغـواء الشَّـيطان .


اتخـاذ الأسـوة السـيئة .



الاستجابة للنفس الأمارة بالسوء واتباع الهوى .

        إنَّ شعور الإنسان بوجود الخطأ ؛ هو الذي يبعثه إلى الإصلاح مع وجود دوافع أخرى ، وإنَّ شعوره بالنقص ؛ هو الذي يدفعه إلى الفتش عن سُـبل تتميمه وتكميله ، فلهذا كان الأساس الأوَّل لإصلاح السلوك والأخلاق هو ؛ [ الإقرار والاعتراف بوجود الخطأ والنقص ] .


       يمنع من حصول هذا الأسـاس وتحقيق هذه القاعدة ؛ الإصابة بمرض العُجب والغرور ، فإنَّ الذي يصاب بذلك الداء لا يرى في نفسه عيباً حتى يعمل على تغييره وإصلاحه ، ولا يرى نقصاً حتى يسعى لتتميمه وتكميله ، ولذلك ؛ قلَّ أن تجد من أصيب قلبه بمرض العجب والغرور قد تخلَّى عن الصفات الذَّميمة التي يتصف بها .


        لابن حزم الظاهري – رحمه الله – كلاماً قيِّماً في بيان خطورة هذا الداء ، ذكره ضمن رسالته في الأخلاق والسِّـير ؛ قال فيه : ( من امتحن بالعُجب فليفكِّر في عيوبه ، فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخـلاق الدنيئة ، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه ، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد ، وأنه لأتم الناس نقصاً ، وأعظمهم عيوباً ، وأضعفهم تمييزاً ، وأوَّل ذلك أنه ضعيفُ العقل ، جاهلٌ ، ولا عيب أشد من هذين ، لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها ، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه ، إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته ، وإما لأنه يقدِّر أن عيوبه خصال (1) ، وهذا أشد عيب في الأرض ) (2) .


          ثمَّ ذكر – رحمه الله - عـلاجاً لمن أصيب بداء العجب وهو ؛ تفكُّر الإنسان فيما يصدر عنه ، فقال – رحمه الله - : ( فإن أعجبتَ بعقلك ؛ ففـكر في كل فـكرة سُوءٍ تحل بخاطرك ، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك ، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ ، وإن أعجبت بآرائك ؛ فتفكَّر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها ، وفي كل رأي قدَّرته صواباً فخرج بخـلاف تقديرك ، وأصاب غيرُك وأخـطأت أنت ، فإنك إن فعلت ذلك ؛ فأقل أحوالك أن يوازن سقوطُ رأيك بصوابه ، فتخرج لا لك ولا عليك ، والأغلب أنَّ خطأك أكثر من صوابك ، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم ، وإن أعجبت بعملك ؛ فتفكَّر في معاصيك وفي تقصيرك ، وفي معاشك ووجوهه ، فو الله لتجدنَّ من ذلك ما يغلب على خيرِكَ ، ويعفي على حسناتك ، فليطلْ همُك حينئذٍ ، وأبْدِل من العُجب تنقُّصاً لنفسك ) (3) .


عرض الأخلاق والسـلوك على المصدر والميـزان


       إنَّ المصدر الذي يأخذ عنه المسلم الأخلاق الصالحة ، والميزان الذي يزن به الأخلاق والسلوك هو؛ كتاب الله تعالى ، وسنة النبي ، فالقرآن الكريم ؛ هدايته عامة شاملة ، تشمل الاعتقاد والعبادة والمعاملة والأخلاق والسلوك ، ومما يدل على ذلك قول الله تعالى : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) }(1) ، فمعنى يهدي للتي هي أقـوم ؛ أنه يهدي للتي هي أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق ، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أقوم الناس وأهداهم في جميع أموره (2) ، وخير من جعل القرآن مصدراً لأخلاقه ومعاملاته هو ؛ النبي ، فقد سُـئلت أم المؤمنين عائشة  رضي الله عنها عن خُـلق رسـول الله فقالت للسائل : ( ألسـت تقرأ القرآن ؟ فإنَّ خـلق نبي الله كان القرآن ) (3) ، والمعـنى ؛ أنَّه يتبع ما يأمر به القرآن ، ويتـرك ما ينهى عنه ؛ يأخذ بالآداب التي دلَّ عليها وحضَّ على الأخذ بها ، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ، وقد زكَّى الله تعالى خلق نبيّه فقال : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ


عَظِيمٍ (4)} (4)  ، كما جُعِل عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة في الاعتقاد والعمل ، لقول الله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) }(5) ، ولهذا كانت سنته مصدراً وميزاناً للسـلوك والأخـلاق كما هو الشأن في كتاب الله تعالى ، فالذي يوافقها من الأخـلاق والسـلوك ؛ هو الصـالح المقبول ، والذي يخالفها من الأخـلاق والسـلوك ؛ هو الفاسد المردود .


       إذا ثبت ذلك ؛ كان لزاماً على المسلم أن يعرض سائر أعماله وأحواله على هذا الميزان ، ليعرف الصحيح منها مِنْ السَّقيم ، كما يقول الحسن البصري - رحمه الله - : ( من أحب أن يعرف ما هو فيه ؛ فليعرض عمله على القرآن ، ليتبين له الخسران من الرجحان ) (1).



      لقد كان الأخـيار من هذه الأمَّـة يلجمون جماح النفس بهدي الوحي ، ولم يكن أحدهم يتجـاوز القرآن الكريم والسنة المطهرة في فعل أو قول ، ففي الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة  فنزل على ابن أخيه الحُر بن قيس  ، وكان من النَّفر الذين يُدنيهم عُمر ، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، قال :  سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاسـتأذن الحُر لعيـينة فأذن له عمر ، فلما دخل عليه قال : هِي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجَزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حـتى همَّ أن يوقـع به ، فقال له الحُر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  (199 ) }(2) ، وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقَّافاً عند كتاب الله (3) .

آيةٌ واحدةٌ شفاءٌ لعللٍ وأمراض .

       روي الإمام الذهبي  في السِّير في ترجمة الإمام القدوة الفضيل بن عياض – رحمهما الله – أنَّه كان قـبل توبته شاطراً (4)  يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس (5) ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية ، فبينا هو يرتقي الجدران إليها ، إذ سمع تالياً يتلو : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ  (16) }(1) ،  فلما سمعها قال : بلى يا رب ، قد آن ، فرجع ، فآواه الليل إلى خربة ، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل ، وقال بعضهم: حتى نصبح ، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا ، قال : ففـكَّرت ، وقلت : أنا أسـعى بالليل في المعاصي ، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني ، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ، اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام (2) .



من الأخطاء التي تقع بسبب عدم الأخذ بهذه القاعدة : -

أولاً : تقييم الأخلاق والسلوك بالميل والرغبة .

       فمِن الناس مَنْ يجعل الميزان للمقبول والمردود من الأخـلاق والسلوك هو ؛ طبعه وميله ورغباته ، فالمقبول عنده من الأخلاق والسلوك هو ما يوافق طبعه وميله ورغباته ، والمردود ما خالف ذلك ، وقد يزعم هؤلاء أنَّ ما هم عليه هو الموافق لدين الله وشرعه ، بل قد يذهب بعضـهم إلى الفـتش عن كل ما يمكنه التمسُّـك به من الأدلة الشرعية ليدلل به على صحة مسلكه ، وإن كان لا يدلُّ على ما أدَّعاه ، وفعل هؤلاء من اتّباع الهوى الذي نهى الله تعالى عنه .

ثانـياً : الخطأ في تحديد مفهوم الوسطية في الأخلاق والسلوك .

        من ذلك خطأ من يرى أنَّ الوسطية المحمودة تكون بين الجيِّد والرَّديء ، وبين الحسن والسيئ من السلوك والأخلاق ، ويؤسس على ذلك أعماله وتصرفاته ، فيأخذ من الطاعة والأفعال الحسنة ما شاء ويترك ما شاء ، ويأتي من المعاصي والأفعال القبيحة ما شاء ويترك ما شاء ، كل ذلك بدعوى الأخذ بالوسطية ، وهذا في الواقع هو نوعٌ من التفريط المذموم .


       فالوسطية في الأخلاق والسلوك هي ؛ خيارٌ حسنٌ من السـلوك والأخـلاق بين طرفين سيـئين ، وهذا الخـيار الحسن يدل عليه مصدر التلقي وميزان الأخـلاق والسـلوك ؛ الوحي من الكتاب العزيز وهدي النبي .


محاسَـبَةُ النَّفْـس


       المراد بمحاسبة النفس هنا : سؤالها ؛ هل هي تسير على الأخلاق الصالحة والسلوك القويم ؟ وما الذي فرَّطت فيه وأضاعته من ذلك ؟ وهل ترضى أن تتصف بالأخلاق الذميمة ؟ وما الذي يمنعها من تغييرها والإقلاع عنها  ؟ .


         لقد أمر القرآن الكريم بمحاسبة النفس والنظر في أعمالها ، وحذَّر من الغفلة وبيَّن مآلها ، يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  (19)لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20 ) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُــرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْــــيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ  (21) } (1) ، فأخذ بذلك الأخيار والصالحون من هذه الأمة ،  يقول أنس بن مالك : سمعت عمر بن الخطاب وخرجتُ معه حـتى دخـل حائطا فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جـوف الحـائط : ( عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين بخٍ بخٍ ، والله لتتقين الله أو ليعذبنك ) (2) ، وقال الحسن البصري - رحمه الله - : ( إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة من همته ) (3).



العَزِيْمَـةُ عَلى الرُّشْـد

 العزيمة : 

هي القصد الجازم المتصل بالفعل , وهو عقد القلب على إمضاء الفعل (1) .


والعزم نوعان :


أحـدهما : عزم الإنسان على الدخول في الطاعات وأبواب الخيرات ، وترك المعاصي وأنواع الشرور .


والثـاني: العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها , وعلى الانتقال من حال إلى حال أكمل منه .


والرشد هو : الصـلاح ، والفلاح , والصواب ، ويشمل كل خير وفلاح في الدنيا والآخرة ، ومنه ؛ الاستقامة على طريق الحق (2) .


        إنَّ الإنسان إذا اعترف بالخطأ والتقصير ، وعرض أعماله على الميزان الذي يبين صوابها من خطئها ، وحاسب نفـسه على ترك الخير وتعاطي الشر ؛ احتاج إلى أمر آخر وهو : العزيمة على الرشد ، فإنَّ العزيمة إن لم توجـد بعد معـرفة الخـير لم يستطع العبد الوصول إليه ، وكثـيراً ما تفوت مصـالح الإنسـان العاجلة والآجلة بسبب عدم العزم على تحصيلها .


        ليس المقصـود من العزيمة على الرشـد أن يلتفت الإنسـان إلى حوله وقوته وإرادته ، بل المطلوب منه الاسـتعانة بالله تعـالى في حصـول العزم ، وفي تحصيل مصـالحه إذا عزم عـلى ذلك ، لقول الله تعالى : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} (3) .



المجاهَـدَة

       المراد بالمجاهـدة : 

كفُّ النفس عن إرادتها من الاشتغال والعمل بغير مرضـاة الله تعالى ، وتسييرها على مراده سبحانه بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات ، ونهيها عن الهوى (1).


       إنَّ مجاهـدة النفس سبب لهداية العبد إلى سُبل الخيرات ولتأييد الله تعالى له ، لقول الله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) }(2) ، وكذلك هي سبب لدخول الجنَّة ، كما قال الله : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى  (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى  (41)} (3)   .



       فالإنسان إذا عرف الأخلاق الصالحة ، وعزم على تحصيلها ؛ افتقر إلى مجاهدة النفس بحملها وتسـييرها على تلك الأخـلاق ، وهـذه المجاهدة قد تكون أمراً شاقاً على نفس الإنسان ، لا سيما إذا ألفت نفسه خلاف ما أريد لها ، ولهذا قد يحتاج الإنسان إلى أمورٍ تعينه في هذا الباب ، من أهمها :

  الدُّعـاء .

        الدُّعاء والاستعانة بالله تعالى في اكتساب الأخلاق الصالحة والسلوك القويم ؛ أهم الأسباب التي يبذلها الإنسان في حصول مطلوبه ، وهذا هو هدي رسول الله ، فقد ثبت عنه أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ


صَـلاتِي وَنُسُـكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمـِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لأحْسَنِ الأَخْلاقِ لَا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ  ) (1) .


الثـَّباتُ عَلى الأمْـر


        إنَّ كلمة الثبات تدلُّ على ؛ دوام الشيء واستقراره وتمكُّنه ، وهو ضدُّ الزوال (1) ، والمراد بالثبات هنا : المداومة على فعل الخـيرات والأخذ بالأخلاق الصالحة والسلوك القويم ، وترك المنكرات والأخلاق الرديئة والسُّـلوك المنحرف .


       فقد يصل الإنسان إلى فعل الخير ويأخذ بصالح الأخلاق والسلوك القويم ، ولكنَّه يكون بين الثبات عليه والنكوص عنه ، فإذا أصاب الإنسـانُ الخيرَ وداوم واستقرَّ عليه وتمكن منه ؛ كان من أهل الثبات ، وإذا أدركه وعمل به ، ثمَّ رجع عنه ؛ فقد نقض غزله ونكص على عقبيه .


      إن حصول الثبات يفتقر إلى إعانة الله تعالى للعبد أوَّلاً ، فلذلك كان لا بدَّ للعبد من الاستعانة بربِّه في تحصيله ، ثمَّ بذل الأسباب التي تؤدي إليه من الإيمان والعمل الصالح ، وترك الأسباب التي تؤدي إلى زواله ، كما يشهد لذلك قول الله تعالى : { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ ( 27 ) }(2) ، وقال سبحانه {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ  ( 102) }(3) ، وقال جلَّ وعلا  {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً  (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً  (74) }(4) ، وقال : {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  (94) }(5)  . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار