السبت، 15 نوفمبر 2014

الخلافات الزوجية










الخلافات الزوجية اسبابها وحلولها





لا تخلو أي أسرة من مشكلات وسوء تفاهم من كلا الطرفين لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة , وقد تؤدي هذه المشكلات إلي تفكك الأسرة وانفراط عقدها , ولكن إذا تم تشخيص الداء سهل وصف الدواء .
 والتفاهم بين الزوجين لاشك يؤدي إلي استقرار الحياة الزوجية واستئصال المشكلة من جذورها قبل أن تقع  , لذا وجب علي الزوجين المصارحة والوضوح وإفضاء كل شريك لشريكه عما بصدره ,  ما يقلقه وما يزعجه وما يفرحه وما يحزنه.
هذا إن كانا يريدان للحياة أن تستقر و لسفينة الحياة أن تسير , هذا نوع من العشرة بالمعروف أن يحترم كل شريك شريكة  يحترم صمته وحديثه بل و يحسن الاستماع والإصغاء لكل ما يقول ولا يسفه له رأياً . يحترم مشاعره ولا يكثر من اللوم و العتاب و النصح , فاللوم لا يأتي بنتائج ايجابية في الغالب و كثرة العتاب يحطم كبرياء النفس كما أن كثرة التجريح والتوبيخ يكسر النفس و يجعل كل شريك يفتش عن عيوب شريكة و تَصِيٌد أخطاءه.
وعلى الزوجين أن يتفقا من البداية على وضع آلية لحسم الخلاف فعدم وجود آلية للتفاهم بين الزوجين يؤدي إلى تفاقم الخلاف واشتداد التنافر , وتباعد كل منهما عن الأخر .

وهذه الآلية لابد أن تقوم علي هذه المبادئ :
1- الزوجان ليسا معصومين من الخطأ , فلا بد أن يقع من الزوج هفوات وأخطاء ، والزوجة كذلك، وكثير من الرجال لا يعترف بهفوته وزلته، ويعظم زلة زوجته ولو صغرت، والمقام ليس مقام تجريح أو تأنيب؛ وإنما هو سبيل المسامحة والملاينة ، ما دام أن الأمر ليس فيه تهاون في حق الله أو حق الزوج .
قال أبو الدرداء : "إذا رأيتني غضبا فرضني  وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب" . وحكى ( البيهقي في الشعب ) أن أسماء بنت خارجة الفزاري لما أراد إهداء ابنته إلى زوجها قال لها  :  يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً ولا تدني منه يملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلت لأمك  .

2- القوامة في البيت للرجل , فعلى المرأة أن لا تعامله معاملة الند أو الخصم , فقال تعالى : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله " ([1]).
قال ابن جرير الطبري : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وامرأته حبيبة بنت زيد ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فأنطلق أبوها معها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتقتص من زوجها " فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجعوا هذا جبريل أتاني ، وانزل الله : " الرجال قوامون على النساء " الآية فقال صلى الله عليه وسلم " أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير " ورفع القصاص ([2]).

3- على الزوجين أن يضعا كل مشكلة في حجمها الحقيقي , وأن لا يضخما التافه , ولا يكبرا الصغير , وأن لا يجعلا الخلافات تتراكم  بل لا بد أن يصفيا خلافهما يوما بيوم , ولا تبيت المشكلة إلى الصباح , لأنها لن تصبح مشكلة واحدة بل أكثر من مشكلة.
قال الشافعي رحمه الله :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة* * *    ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست بهياب لمـن لا    يهابنـي * * *    ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك  مودتـي* * *    وإن تنأ عني تلقني عنك نائيـاً
كلانا غني عـن أخيـه   حياتـه * * *   ونحـن إذا متنـا أشـد  تغانيـا

كما أن على الزوج أن يتذكر قول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ([3]).
وقول النبي عليه الصلاة والسلام: "خيرُكم خيرُكُم لأهله، وأنا خيركم لأهله"  ([4]).
روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال ما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طبَّاخة لطعامي خبَّازة لخبزي غسَّالة لثيابي مُرْضِعة لولدي وليس ذلك كله بواجب   عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة ([5]).
قال الشاعر:
              والعيش ليس يطيب من       * * *          إلفين من غير اتفاق

4- الزوجة هي الصدر الحنون وموطن الحنان والرحمة , ومن طباع الرجل أنه لا يحب من زوجته أن ترفع صوتها عليه , فإذا ما غضب الزوج فما عليه إلا أن تسكت عنه حتى يذهب عنه غضبه ثم تناقشه بهدوء في أسباب الخلاف والسبيل إلى حله .

قال صلى الله عليه وسلم :"ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود، التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضاً حتى ترضى"  ([6]).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني
راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك ([7]).

وقال الشافعي :
خذي العفـو مني تسـتديمي مَوَدَتِي* * *   ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقـريني نقرك الدف مــــرةً* * *   فإنك لا تدرين كيـــــف المُغَيَبُ
ولا تكثـري الشـكوى فتذهب بالهوى* * *   ويأباك قلبـي والقلــــوبُ تُقَلَّبُ
فإني وجدت الحـب في القلب والأذى* * *   إذا اجتمــعا لم يلبث الحب  يذهبُ

والزوجة العاقلة لا تعدم الوسيلة لترويض زوجها , مهما كان جموحه وجنوحه , رووا أن امرأة في إحدى القرى لأحد العلماء وهي تظنه ساحرا وطلبت منه أن يعمل لها عملا سحريا بحيث يحبها زوجها حبا لا يرى معه أحد من نساء العالم. ولأنه عالم ومرب قال لها إنك تطلبين شيئا ليس بسهل لقد طلبت شيئا عظيما فهل أنت مستعدة لتحمل التكاليف؟  قالت : نعم  قال لها : إن الأمر لا يتم إلا إذا أحضرت شعرة من رقبة الأسد .قالت: الأسد ؟ قال : نعم  قالت : كيف أستطيع ذلك والأسد حيوان مفترس ولا أضمن أن يقتلني أليس هناك طريقة أسهل وأكثر أمنا ؟ قال لها : لا يمكن أن يتم لك ما تريدين من محبة الزوج إلا بهذا وإذا فكرت ستجدين الطريقة المناسبة لتحقيق الهدف .ذهبت المرأة وهي تضرب أخماس بأسداس تفكر في كيفية الحصول على الشعرة المطلوبة فاستشارت من تثق بحكمته فقيل لها أن الأسد لا يفترس إلا إذا جاع وعليها أن تشبعه حتى تأمن شره .أخذت بالنصيحة وذهبت إلى الغابة القريبة منهم وبدأت ترمي للأسد قطع اللحم وتبتعد واستمرت في إلقاء اللحم إلى أن ألفت الأسد وألفها مع الزمن. وفي كل مرة كانت تقترب منه قليلا إلى أن جاء اليوم الذي تمدد الأسد بجانبها وهو لا يشك في محبتها له فوضعت يدها على رأسه وأخذت تمسح بها على شعره ورقبته بكل حنان وبينما الأسد في هذا الاستمتاع والاسترخاء لم يكن من الصعب أن تأخذ المرأة الشعرة بكل هدوء وما إن أحست بتمكلها للشعرة حتى أسرعت للعالم الذي تظنه ساحرا لتعطيه إياها والفرحة تملأ نفسها بأنها الملاك الذي سيتربع على قلب زوجها وإلى الأبد. فلما رأى العالم الشعرة سألها: ماذا فعلت حتى استطعت أن تحصلي على هذه الشعرة؟ فشرحت له خطة ترويض الأسد، والتي تلخصت في معرفة المدخل لقلب الأسد أولا وهو البطن ثم الاستمرار والصبر على ذلك إلى أن يحين وقت قطف الثمرة حينها قال لها العالم : يا أمة الله . زوجك ليس أكثر شراسة من الأسد  افعلي مع
زوجك مثل ما فعلت مع الأسد تملكيه. تعرفي على المدخل لقلبه وأشبعي جوعته تأسريه وضعي الخطة لذلك واصبري .

5- على الزوج – كذلك – أن يتفهم طبيعة المرأة من جيشان عاطفتها , وتسرعها في الحكم على الأشياء على خلاف الرجل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط " ([8]).

روى أن المعتمد بن عباد وكان ملكا من ملوك الطوائف اشترى جارية تسمى الرميكية وهي أمّ أولاده والملقّبة باعتماد، روي أنّها رأت ذات يوم بأشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن سوقهنّ في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، فيقال: إنّه لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله ما رأيت منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه من الأموال مالا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستحيت وسكتت  ([9]).

6- إذا اشتد الخلاف ووصل إلى مرحلة النشوز , فقد علمنا القرآن الكريم كيف يتعامل الزوج مع الزوجة الناشز فقال عز من قائل : " وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّ كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً " ([10]).فهناك مراحل يجب أن يتبعها الزوج في علاج الزوجة التي تمردت على الحياة الزوجية دونما سبب واضح , وهذه المراحل هي :
(1) النصح والإرشاد ، حيث يلفت الزوج نظر زوجته إلى خطئها ، ويبين لها الصواب ، بالقول اللين ، والوعظ الحسن .
(2) الهجر في المضاجع أي يترك الجماع ، مع الصد والإعراض ، قال ابن عباس يوليها ظهره ولا يجامعها ، وقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا حتى شاع في المدينة أنه طلقهن .
(3) الضرب الخفيف [ غير المُبَرِّح ] ، فان لم ترتدع الزوجة بالموعظة ولا بالهجران فله أن يؤدبها بالضرب غير المبرح ضربا رقيقا رحيما يؤدب ولا يحطم ، قال تعالى : " وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّ كَبِيراً  ([11]).

وعلى الزوج أن يفهم أن الإسلام قد وضع قيودا وضوابط لهذا العلاج حتى ربط بين الضرب وبين الإتيان بقبائح الأفعال كالفاحشة كما في حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت أن النبي r  قال :«ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن».  ([12]).
وقال ابن حجر : " إن كان لابد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام ، فان اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ، ومهما كان الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجة إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله تعالى "  ([13]).

(4)إذا اشتد الخلاف وعجزت كل الطرق السابقة في العلاج فعلى الحاكم إن يختار حكمين عدلين واحدا من أقرباء الزوجة والثاني من أقرباء الزوج ليبحثا في موضوع الخلاف ويحاولا
الإصلاح بين الزوجين بالطرق الحكيمة قال تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً " ([14]).
(5) إذا اتسعت الفجوة بين الزوجين ويقع ما تستحيل معه العشرة وترتفع الألفة والمودة فيلجأ إلى الطلاق ، وأخر الداء الكي كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال صلى الله عليه وسلم طلقها ([15]).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار