طريق السعادة
السعادة .. ما هي؟
علينا أن نفرق بين السعادة كحالة دائمة
وبين أمور مفرحة تسعد الإنسان لدقائق أو أيام
من الطبيعي أن نسعى لأن نعيش حياة سعيدة وأن نبحث عن السعادة فكل إنسان عاقل يريد أن يبتعد عما يكدره وما يشقيه ويقترب مما يفرحه ويسعده ولهذا نجد الإنسان يفكر ويخطط ويعمل حتى يحقق ما يريد أي حتى يكون سعيدا، ولا شك أن بعضنا يظن أن السعادة في الحصول على المال ولكننا نعلم أن الغنى لا يجعل الإنسان سعيدا ولقد قيل ((إن الفقراء يعتقدون إن السعادة في المال في حين أن الاغنياء ينفقون المال بحثاً عن السعادة)) وبعضنا يظن أن السعادة في الزواج أو حياة العزوبية أو المنصب أو الشهادة أو غيرذلك ولكننا نعلم أيضاً أن السعادة ليست في الزواج وليست في المناصب أو الشهادات. فما هي السعادة إذن؟ وكيف يمكننا أن نعيش سعداء؟ ان علينا أولا ان نفرق هنا بين السعادة كحالة دائمة وبين أمور مفرحة تسعد الانسان لدقائق أو ايام فالحصول على الشهادة مثلا يفرح الانسان ولكن لا يجعله سعيدا وكذلك علينا أن نوضح ان المصائب كموت احد الاقارب أو غير ذلك تحزن الانسان ولكن قد لا يجعله مهموما شقيا قال ابن القيم قال بعض العلماء "فكرت فيما يسعى فيه العقلاء فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد وان اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم انما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم فهذا بالاكل والشرب وهذا بالتجارة والكتب وهذا بالنكاح وهذا بسماع الغناء والاصوات المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت هذا المطلوب مطلوب العقلاء ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه بل لعل اكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق طريقاً موصلة إليه الا الاقبال على الله ومعاملته وحده وايثار مرضاته على كل شئ فان سالك هذه الطريق ان فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ الغالي الذي لا فوت معه وان حصل للعـبد حصل له كل شئ وان فاته فاته كل شئ وان ظـفر بحظه من الدنيا ناله على أهنا الوجوه فليـس للعبد أنفع من هذه الطـريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وبالله التوفيق" السعادة إذن في الراحة النفسية والتي لا تتم الا بالقرب من الله والسعادة أيضا في المقدرة على التعامل مع افراح ومصائب الحياة بكفاءة. وحتى تتضح صورة السعادة نقول ان المجتمع الغربي ليس سعيداً مع كل ما يملكه من مستوى مادي مرتفع وحريات كثيرة فالقلق والملل من الأمراض الرئيسية للحضارة الغربية.
نور الحقائق الكبرى
عقائد البشر وأراؤهم وأهدافهم كثيرة جدا ومتنوعة ومتناقضة فمن البشر من يؤمن بوجود الله كالمسلمين والنصارى واليهود ومنهم من هو ملحد ومنهم من يؤمن بمصلحته أو لذته ومنهم من تحركه مفاهيم عنصرية فيتعصب لشعب أو أمة ومن الناس من يقلدون الآباء أو الزعماء أو الفلاسفة والحكماء ومنهم من هو ضائع لم يستقر على عقيدة والمؤمنون بوجود الله ينقسمون الى أديان وطوائف وفرق ويختلفون في بعض أو كثير من العقائد والاحكام وان تشابهوا في بعضها فالعقيدة في صفات الله سبحانه وتعالي فيها اختلاف كبير ليس فقط بين من يؤمنون بالله بل حتى بين من يدينون بالاسلام ولهذا اظهرت الفرق الكثيرة واختلف الناس حول القوانين العادلة فأصبحت هناك دساتير وأنظمة وقوانين متناقضة وكل أصحاب مبدأ أو دين وحزب يرون أن ما يتبنون هو الحق وما عداه باطل فما يراه البعض مثلا من الامور الاجتماعية حلالا وحقا يراه أخرون حراما وباطلا. وباختصار شديد الاختلافات بين البشرية فيما يعتقدون أنها حقائق كبرى كثيرة ولن يصل إلى السعادة من يسير في ظلام عقائد مشوهة أو شرائع ظالمة أو اقتناعات خاطئة لأنه سيصطدم بالعقل الواعي وبالفطرة البشرية السليمة فالنفس تسعد في ظل العقائد الصحيحة والاحكام العادلة والحقوق والواجبات المنصفة فكما أن من لا يعرف حقائق الفيزياء والهندسة والطيران لن يتمكن من الطيران فكذلك لن يتمكن من يجهل الحقائق الفكرية من أن يعيش حياة سعيدة فلن يرى السعادة من يفضل طبقة على أخرى أو يعبد مصلحته أو يتبع الخرافات والاوهام فاصحاب العقائد الباطلة يتخبطون في سيرهم ويرتكبون كثيرا من الاخطاء السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهذا واقع مشاهد فعقائد الشيوعيين. أنتجت الاستبداد والفقر والكسل وعقائد الغرب أنتجت الحروب والانانية والامراض النفسية والجنسية والخوارج تبنوا عقائد منحرفة فكفروا كثيرا من الناس فحصدوا العنف والشر والاسلام الصحيح هو الطريق للحقائق الكبرى والصغرى والعلاقة بين نور الحقائق وبين السعادة هي علاقة وثيقة جدا فمن الحقائق الكبرى أن الاطمئنان النفسي لا يأتي من سلطة أو ثروة أو قبيلة أو عائلة أو حلف بل يكون من نصيب من يحميه الله العزيز الجبار القادر فمن كان الله معه فل يحزن وممن يخاف ولمن يحتاج؟ اليس من المفروض أن نؤمن كمسلمين بأن الله على كل شئ قدير وأنه وحده القادر على أن ينصرنا ويعزنا ويبدل أحزاننا أفراحا وفقرنا غنى وضعفنا قوة ومرضنا صحة وأن نعلم أن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيط بكل شئ علما فيعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وأهم الحقائق الكبرى يتعلق بصفات الله وأسمائه قال ابن القيم رحمه الله: "فاطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته فمحبته ومعرفته قرة العيون ولذة الارواح وبهجة القلوب ونعيم الدنيا وسرورها بل لذات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آلاما وعذابا ويبقى صاحبها في المعيشة الضنك فليست الحياة الطيبة الا بالله".
الطريق الى السعادة
من الحقائق الثابتة في الكتاب والسنة أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وأن الشقاء هو للكافرين والعصاة وهذه الحقيقة من سنن الله في الكون والادلة على قولنا هذا كثيرة نذكر منها:
1- قال تعالي ﴿قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124)﴾ سورة طه. خاطب الله بهذه الأية أدم وحواء وبين لهما ان من اتبع هداه ودينه فلا يضل ولا يصيبه الشقاء أما من عصى وكفر فله الشقاء والمعيشة الضنك في الحياة الدنيا وله العمى يوم القيامة وبهذه الاية بين الله للانسان الاول ولكل انسان أن معرفة دينه وطاعته هي الطريق الى السعادة وان جهل دينه والمعاصي والكفر هي الطريق الى الشقاء.
2- قال تعالي ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون (21) وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (22) ﴾ سورة الجاثية.
3- قال ابن القيم "والأبرار في النعيم وان اشتد بهم العيش وضاقت عليهم الدنيا والفجار في جحيم وان اتسعت عليهم الدنيا قال تعالى ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة(97)﴾ سورة النحل"
4- قال ابن القيم قال تعالي ﴿ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والاية تتناول ما هو أعم منه وان كانت نكرة في سياق الاثبات فان عمومها من حيث المعنى فانه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الاعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب اعراضه وان تنعم في الدنيا باصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب والاماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه وانما يواريه عنه سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة وان لم ينضم الى ذلك سكر الخمر فسكر هذه الامور أعظم من سكر الخمر فأنه يفيق صاحبه ويصحو وسكرالهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه الاذا كان صاحبه في عسكر الاموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله (e) في دنياه وفي البرزخ ويوم ميعاده ولا تقر العين ولا يهدأ القلب ولا تطمئن النفس الا بالهها ومعبودها الذي هو حق وكل معبود سواه باطل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات والله تعالى انما جعل الحياة الطيبة لمن أمن به وعمل صالحا كما قال تعالى ﴿من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)﴾
سورة النحل. فضمن لاهل الايمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين فهم أحياء في الدارين"
مثقونا ..... وتعاسة الغرب
ان احد الاسباب الرئيسية لافتقادنا السعادة تأثرنا بمفاهيم وعقائد وعادات غربية ضارة، فكما استوردنا أشياء كثيرة مفيدة من الغرب وخاصة في مجال التكنولوجي فكذلك استوردنا كثيرا من الشقاء لاننا قلدنا الانسان الغربي في كثير من أهدافه وعقائده وأخلاقه ونظمه التعليمية واستيراد الشقاء الغربي يرجع إلى أننا كشعوب وأفراد أرهقنا تخلفنا السياسي والتكنولوجي والاداري فتنكرنا لكل ما عندنا من خير وشر وسحرتنا الحضارة الغربية فاصبح المثقف في نظرنا هو من يتكلم بلغة الغرب ويستشهد بأقواله ويعرف ثقافته واصبحت المراة المثقفة والمتحضرة هي التي تتابع الموضة وتعرف الماركات العالمية في الملابس والاحذية والعطور وهي التي زارت أو تحلم بزيارة لندن وباريس. نفعل كل هذا وغيره لاننا نعتقد أن الانسان الغربي سعيد ومتحضر فهل هو كذلك؟ وهل الحضارة الغربية حضارة راقية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال نقول ان انتقادنا حضارة الغرب لا يتضمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبريراً أو رضى عن واقعنا، فواقعنا له ايجابياته وسلبياته وهو ليس موضوع نقاشنا في هذا المقال كما ان ذكر تخلف الغرب في مجالات ليس معناه أن الغرب لم يحقق التقدم والتطور في مجالات اخرى، فلا شك أن الغرب متقدم جدا في مجالات الصناعة والزراعة والطب والسياحة وغير ذلك والادلة التي تبين تخلف الغرب وشقائه كثيرة نذكر منها:
(1) تبين الاحصائيات أن الحضارة الغربية حضارة متخلفة وإليكم ما تقوله هذه الاحصائيات:
( أ ) بلغ عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة سنة 1986 – 19.526 جريمة قتل أي 100 جريمة لكل مليون أما في الكويت فكانت هناك 19 جريمة قتل 1986 أي 10 لكل مليون.
(ب) بلغت عدد الجرائم في أمريكا في سنة 1986 حوالي عشرة ملايين جريمة أي ما يعادل حوالي 5% من عدد السكان ارتكبوا جرائم في حين أن عدد الجرائم في الكويت في 1987 كان 11.171 جريمة أي ما يعادل 0.6% من عدد السكان أي أن معدل الجرائم في الولايات المتحدة هو ثمان أضعاف معدلها في الكويت.
(حـ) نسبة حالات الطلاق إلى الزواج في الولايات المتحدة في سنة 1986 هي 48% في حين أنها في مصر 18% في سنة 1984 أما في الكويت فكانت النسبة 27% في سنة 1987.
( د ) سجلت سنة 1986 في أمريكا 72.626 جريمة اغتصاب وحصلت حوالي سبعمائة الف جريمة تعاطي المخدرات وبلغت حالات الإجهاض في سنة 1983 1.574.000 (مليون وخمسمائة وأربع وسبعون ألف) أما عدد الأطفال غير الشرعيين فكان سنة 1985- 828.200 طفل (ثمانمائة وثمانية وعشرون ألف ومائتا طفل) وهؤلاء يشكلون 22% من المواليد في تلك السنة في حين نسبة الاطفال غير الشرعيين في سنة 1960 كانت 5.3% ولا شك أن الفرق شاسع بين الولايات المتحدة والوطن العربي في احصائيات جرائم الاغتصاب والايدز والمخدرات والابناء غير الشرعيين، وهذه الاحصائيات تبين بوضوح أن عالمنا العربي أكثر تقدما في الجانب الاجتماعي مقارنة مع الغرب فكيف لو تمسكنا أكثر بالأسلام؟!
(2) ان الغرب لا يعرف هل الله واحد أو ثلاثة ولا يعرف صفات الله، ولا الهدف من خلق الإنسان ولا أين يذهب من يموت من البشر ولا يعرف الصواب من الخطأ في قصص الانبياء فهم لديهم معلومات كثيرة وحقائق قليلة ولديهم ثقافة لا علم قال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة وهم عن الأخرة غافلون" (7) سورة الروم. وهذا الضياع جعل عقائد الغرب متناقضة كالرأسمالية والشيوعية والعلمانية والفلسفات القديمة والحيثة وما أكثر فلاسفتهم ومفكروهم الذين يتباهون بهم، فطالما سمعنا عن سقراط وهو احد أكبر فلاسفتهم والذي قال "انني جاهل وأعرف إني جاهل وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون" وسقراط صادق في قوله فهو يعترف أنه احتار في فهم الكون والإنسان وحكماء الغرب الحاليون على شاكلة حكيم اليونان وفيلسوفها قديما فأقوالهم يختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ أما علمؤنا فهم يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عباس والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثيرون قال رسول الله صلى الله علية وسلم "فوالله أني لأعلمهم بالله واشدهم له خشية" .
(3) تجعل الحضارة الغربية المال في رأس إهتماماتها وأهدافها ونشاطها وتفكيرها ولهذا فحضارتهم حضارة مادية أو رأسالمية، ودول هذه الحضارة على استعداد لان تشعل الحروب وتضطهد الشعوب وتدبر الانقلاب من أجل الحفاظ على مصالحها المادية، والدول الغربية هي الدول الاستعمارية خلال القرون الثلاثة الماضية. ولا تزال دولهم لا تطبق العدل والمساواة والحرية عندما تتعارض مع مصالحهم الاقتصادية وتاريخ الاستعمار فيه الكثير من الادلة على جرائم الغرب، فقد أعادوا عهود الرقيق وساندوا الانظمة العنصرية واستنزفوا الثروات وأشعلوا الفتن والحروب وقتلوا الاحرار وعذبوهم فأين هم من العدل والمساواة والحرية؟ وعندما يقتصر العدل على شعب أو أمة ويمنع عن البقية فهذا دليل تخلف وليس معنى قولنا هذا أنه لا توجد جوانب إنسانية في الغرب بل توجد ولكن الاولوية تعطي للمصالح وليس للمبادئ فالمال أعمى بصائرهم قال جون جونز في كتابه في داخل أوربا " ان الانجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة" ومن قلد الغرب في مناهجه أصيب ببعض شقائه وتخلفه قال محمد اقبال "مسلمون ولكن عقولهم تطوف حول الاصنام، ان الافرنج قد قتلوه من غير حرب وضرب عقول وقحة، وقلوب قاسية، وعيون لا تعف عن المحارم، وقلوب لا تذوب بالقوراع، كل ما عندهم من علم وفن ودين وسياسة، وعقل وقلب، يطوف حول الماديات قلوبهم لا تتلقى الخواطر المتجددة وأفكارهم لا تساوي شيئاً حياتهم جامدة، واقفة، متعطلة" .
(4) من الامور المعروفة أن النظافة دليل تقدم وأن القذراة دليل تخلف ونظافة الاجسام عندنا واجب شرعي وعند الغرب كانت ولا زالت قناعات شخصية وقبل قرون قليلة فقط كان الانجليز نادرا ما يستحمون في حين أن المسلمين الملتزمين ومنذ أربعة عشر قرنا يستحمون على الاقل كل اسبوع مرة ولو قارنا بين أحكام الاسلام واحكام الغرب في الزواج والطلاق والاخلاق وبر الوالدين والبيع والربا والخمر وغير ذلك لاتضحت جوانب من تقدمنا وتخلفهم فاحكام الطلاق تتغير عندهم باستمرار فقد كان الطلاق محرما الا في حالات نادرة فلما إكتشفوا ضرر ذلك اباحوه واختلفوا في احكامه والحقوق المترتبة عليه وتخلف الغرب في الاحكام شئ طبيعي وذلك لان احكامهم وضعية تصيب في جوانب وتخطي في جوانب أخرى في حين ان احكام الاسلام شرعها الله سبحانه وتعالى وهو يعرف النفس البشرية وما يناسبها قال تعالى "الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (14) سورة الملك وقد لا يشعر البعض بتقدمنا أو بتخلف الغرب وذلك لأن الغرب نجح نجاحاً كبيرا باعلامه الذكي في اظهار عيوبنا وأخطأئنا وفي ستر عيوبه وأخطائه فهو يتهمنا بالهمجية حتى لو أعدمنا مجرما واحدا في حين أن ضحايا الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر من أربعين مليونا اغلبهم من المدنين، فمن الهمجي؟ وليت الغرب يشرح لنا كيف تم اقتسام الشعوب والاراضي بين الحلفاء بعد انتصارهم في هذه الحرب؟ أليس من النفاق انه في نفس الوقت الذي كان يتم فيه توزيع "الغنائم" كان يتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة كأن الغرب حريص فعلا على العدل والحرية وعموما فان تخلف الغرب واضح في ظلمه وشرائعه واخلاقه ، ولكن هناك من لا يريد أن يراه، وتكاد تكون الحريات ودور الشعب في الحكم هما المجالين الذين حقق فيهما الغرب نجاحاً كبيراً فكراً وممارسة.
(5) عدد الابناء المجهولي الأب أو الوالدين في الغرب عدد كبير ولا يشفع للغرب أن يوفر لهؤلاء الأطفال حضانات، فحنان الأم لا يعوضه أي شئ وقيم الغرب وعقائده واهدافه حطمت الكثير من الأسر، ودعونا نتأمل صورة ونفسية طفل لا يعرف أمه او ابيه أو كليهما، كم ارتكب المجتمع بحق هذا الطفل البرئ من جرائم ومن قال أن الانسان حر في أن يمارس الجنس ثم يلقي نتيجة لذته في الشارع ليضيع طفل رضيع ان مثل هذا الانسان رجلا أو أمراة يرتكب جريمة من اكبر الجرائم في حق الانسانية لانه سلب من طفل رضيع حق أن تكون له أم وأب واخوة وأسرة، وقارنوا هذا الوضع باطفال الامة الاسلامية الذين يعيشون مع اسرهم وفي كل الاحوال يعرفون اباءهم وأمهاتهم وما أعدل واحكم قوانين الشريعة الإسلامية التي تنصفنا أطفالاً ورجالا ونساءا وتعلمنا حدود الحريات الصحيحة.
كم من مريد للخير لن يصيبه!
قال عمر بن عبالعزيز رضي الله عنه:
" من عبدالله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح".
الأهداف العامة لكثير من العقائد والسياسات والنظم أهداف نبيلة لاغبار عليها ومع ذلك نجد أن الأفراد المخلصين من حملة المبادىء لايحققون السعادة التي يريدونها لقومهم أو للبشرية أي أن نواياهم الطيبة وإخلاصهم لم تكن كافية لتحقيق ما يريدون بل أن بعض هؤلاء المخلصين قد يصبحون من أكثر الناس إجراما واستبداد وشرا، فالشيوعية مثلا هدفت إلى إنصاف الفقراء والعمال ومساواة البشر وحققت جزءا من أهدافها ولكنها أنتجت كذلك الاستبداد والتخلف الاقتصادي والأنظمة البوليسية ومنعت الناس حتى من حرية الخروج والهرب من الجنة الشيوعية المزعومة بل حتى هدف القضاء على الفقر وهو الهدف الذي قامت من أجله فشلت في تحقيقه. فالعالم الغربي أكثر غنى ورفاهية من العالم الشيوعي، والرأسمالية الغربية حملها المؤمنون بالحرية والعدل والمساواة وحقق المخلصون بعض أهدافهم ولكنهم فشلوا في قضايا مهمة فقد عبدوا المال وتفككت الأسرة وأنتجت الحضارة الغربية الاستعمار والقلق والايدز والمخدرات وغير ذلك،والبوذية ركزت على الجوانب الروحية والأخلاقية وأهملت الجوانب المادية والتشريعية، والنازية تمادت في اعتزاز الإنسان بوطنه وجنسيته فأنتجت الغرور والحروب وباختصار فإن الأهداف النبيلة والنوايا الحسنة يضيع أصحابها أن لم يهدهم الله للطريق المستقيم ولهذا قيل: الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة وقال العلماء: لاعمل بدون علم، ولاشك أن بعض هؤلاء المخلصين الضائعين قد حققوا ايجابيات في المساواة والحرية والقوة والتقدم التكنولوجي ولكن الحقيقة الواضحة أن المحصلة النهائية لإعمالهم هي الفشل الذريع فروسيا تئن من الضياع الشيوعي وأمريكا عملاق تنتشر الأمراض في عقله وجسده، والنجاح هدف قامت من أجله ثورات وأنظمة ومع هذا لم يصل أصحابها إلى ما يريدون من أهداف فحققوا بعضها وفشلوا في أكثرها وكم من مخلصين وقفت معهم شعوبهم ووصلوا إلى الحكم ومع هذا وبعد سنوات أصبحوا مكروهين كما أصبحوا أكثر ضررا على شعوبهم من سابقيهم مع أن نواياهم كانت وما زالت نوايا طيبة وأصحاب النوايا الحسنة ضاعوا لأنهم يجهلون الحياة والكون والانسان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ومن يضل الله فلا هادي له والاسلام يعمل على ترشيد النوايا الحسنة والأهداف النبيلة ويحققها فيعطي الفقراء والعمال حقوقهم كاملة ويسمح كذلك بوجود الغنى الشريف ويعطي مجالا لاعتزاز الفرد بشعبه وأمته دون أن يتحول هذا الاعتزاز الى عنصرية ويعطي كذلك مجالا للاخلاق والروحانيات ومجالا للماديات ويحقق الاسلام المساواة والعدل والحرية بطريقة واقعية وسليمة فالاسلام دين شامل يعطي كل ذي حق حقه ولا يعطي الاغنياء والفقراء أقل أو أكثر من حقوقهم ولا يجعل الجوانب المادية تطغى على الجوانب الروحية أو العكس كما أنه لا يكبت الغريزة الجنسية ولا يتركها بلا قيود أو ضوابط هو دين وسط يحقق التوازن والعدل في كل شىء فهناك حقوق الله وحقوق للعباد والدولة والحكومة والوالدين والاقارب وهكذا وما لم يستطع أن يحققه كثير من أصحاب النوايا الحسنة هو معرفة تحقيق هذا التوازن، وقد رأت الشعوب الفشل واضحا واقتنعت بأن النظرية الدافعة لهؤلاء المخلصين نظرية فاشلة وأصبح المخلصون يتحدثون عن تصحيح نظرياتهم وعقائدهم وهكذا يستمر مسلسل التصحيح الى الابد ويستمر خداع الشعوب والامم بشعارات جديدة ونبيلة وتكتشف الشعوب مع الايام ومع زيادة الوعي أن السعادة حلم وسراب والبشرية اليوم حائرة وضائعة فالتوازن عملية لا تتم الا في ظل الاسلام وحرص الرسول (e) على التوازن وحذر بشدة من الانحراف حتى لو كانت النية طيبة ولهذا قال لمن كان يقوم الليل يصلي ولا ينام ولمن يصوم ولا يفطر ولمن اعتزل النساء فلا يتزوج أنا أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني، ولاحظوا تبرأ الرسول ممن يفقد التوازن ويبتدع في الدين لان التمادى حتى في الخير غالبا ما يكون شرا لان التوازن للفرد والحكومة والامة يختل وفقدان التوازن حدث لكثير من الفرق والاتجاهات الاسلامية فالمتصوفة ركزوا على الاخلاق والزهد تركيزا شديدا ففقدوا التوازن العقائدي والتشريعي والمعتزلة تمادوا في الاعتداد بالعقل والرأي فأصابتهم بعض عيوب الفلاسفة كالجدل والقيل والقال والخوارج فقدوا التوازن لانهم تمسكوا تمسكا أعمى بالنصوص القرأنية وأهملو العقل والفهم فضلوا. وفقدان التوزان حدث في عصرنا لحكومات وأحزاب وجماعات وأفراد وذلك مع وجود حسن النية فهناك من أعطى الحكومات سلطة أكبرها مما لها في شرع الله فضل. وهناك من أعطى الشعوب أو العلماء أو الاولياء أو الحكام أو الجماعات أكثر أو أقل مما يجب وهنالك أيضا من أعطى مصالحه الشخصية أكثر مما لها فضل وهناك من أهتم بالدنيا على حساب الاخرة، وهم كثيرون فضلوا وهناك العكس وهم قليلون فضلوا أيضا وهناك من اعطى زوجته أو أولاده أو أصدقائه أكبر أو أقل مما ينبغي فضل وشقى والتوازن مطلوب أيضا في دائرة الفرد فهناك حقوق الله وحقوق للنفس وحقوق للاهل وهكذا فمن الخطأ أن يكون عقلك نشيطا. وجسمك كسولا، وهناك من فقد التوازن نتيجة لظروفه فاحساسه بظلم حكومة أو حزب أو اتجاه جعله يتطرف في العداوة أو البغضاء وقد يستدل بآيات وأحاديث ولكنه يتجاهل آيات أخرى لا تحقق مراده وتفضح تطرفه. والتوازن ووضع كل شىء في موضعه السليم مطلوب حتى في قضايا الاصلاح الإداري الذي يطالب به كثيرون ونواياهم حسنة ولكن قلة هم من لديهم العلم بالتخطيط والتطوير الوظيفي والتدريب والتقييم وغير ذلك من معلومات أساسية.
العلم سعادة والجهل شقاء
كلما ازددنا علما ازددنا سعادة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق