الاثنين، 17 نوفمبر 2014

الطب العربي وتاثيرة في الغرب






الطب العربي وتاثيرة في الغرب

 

 





أولاً - طريق إسبانيا ( الأندلس )

لقد استمر تواجد المسلمين في الأندلس نحو ثمانية قرون ( 93-897 هـ ) (117-1292 م).وفي عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل ( 172 –182 هـ / 788-798 م) جعلت اللغة العربية لغة


البلاد . وبتولي عبد الرحمن الناصر الإمارة ( 300-350 هـ / 912 –961م) ومناداته بنفسه خليفة عام (350 –366 هـ / 961 –976 م ) الذي أسس مدرسة ومكتبة علمية تضم ما يقرب من أربعمائة ألف مجلد ، غدت قرطبة عاصمة العلم والحضارة في أوربا والغرب الإسلامي يؤمها العلماء والطلاب من المشرق والمغرب وتتنوع فيها الدروس والمحاضرات وإجراء البحوث وتصنيف الكتب في معرض الحرية والتسامح .


وإضافة إلى ذلك فان من أسباب الازدهار العلمي الذي عرفته الأندلس منذ القرن الرابع الهجري وظهرت ثمراته الطيبة في القرنين الخامس والسادس هو " أن الأندلس لم تكن في وقت من الأوقات بمعزل عما يجري في حواضر العلم الإسلامية الأخرى ، بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وفاس ، فقد كانت الصلات الفكرية والعلمية مستمرة بين مختلف أقطار العالم الإسلامي ينتقل بين ربوعها العلماء والطلاب والمؤلفات والمذاهب الفكرية ، وفي ميدان الطب الذي يعنينا ينبغي أن نذكر أن المؤلفات التي تظهر في المشرق سرعان ما كانت تجد سبيلها إلى الأندلس فيستفاد منها ويُعلق عليها "  .


فرحلات الأطباء من وإلى الأندلس من بين الأسباب التي كانت وراء ازدهار الطب في الأندلس حيث تزخر كتب التراجم بأسماء العديد من أعلام الطب الذين قاموا برحلات لطلب العلم في العواصم الإسلامية الأخرى سنأتي على ذكرهم فيما بعد بالتفصيل .


لم يتوقف النشاط العلمي بعد وفاة الحكم المستنصر على الرغم من الانقسامات السياسية التي تمخضت عن قيام ملوك الطوائف لأن العلماء تركوا قرطبة وتفرقوا باحثين عن الأمان والحرية والبيئة العلمية التي يستطيعون فيها البحث والتأليف والتدريس . وكان عدد من هؤلاء الملوك من محبي العلم وأهله الأمر الذي دفعهم إلى التنافس في تنشيط الحركة العلمية واستقطاب العلماء والأطباء وتشجيعهم .


وحتى بعد زوال حكم ملوك الطوائف في القرن السادس وقيام دولة المرابطين ومن ثَم دولة الموحدين الذين حكموا الأندلس مع الجزء الأكبر من بلاد المغرب وجعلوا مراكش عاصمة لهم ، فان العلوم بشكل عام والطب بشكل خاص لم يتأثر بتلك التقلبات السياسية لأن الملوك والأمراء أحاطوا العلماء والأطباء برعايتهم وأتاحوا لهم – في غالب الأحيان – أجواء مناسبة لممارسة نشاطهم المهني والعلمي ،فكان الطلاب يتلقون عن شيوخهم في الجوامع والمدارس مختلف العلوم الطبيعية والرياضية والطبية ، ويتناولون منهم الإجازات العلمية .


وكان من نتائج هذه الحركة العلمية خلال هذه القرون في الأندلس إبراز أعلام في الطب لايمكن سردهم هنا جميعا ولكن نذكر أسماء البعض منهم من الذين تجاوزت شهرتهم العلمية آفاق العالم



الإسلامي إلى أوربا المسيحية مثل ( الزهراوي ، وأبناء بني زهر ، ابن رافد ، ابن طفيل ،ابن رشد ، الإدريسي ، الغافقي ، ابن ميمون ، ابن طملوس ، ابن الخطيب ، ابن خاتمة ،ابن الرومية ، وابن البيطار وغيرهم كثير ) . وعندما بدأ سلطان الموحدين ينحسر في القرن السابع الهجري بسقوط عدد من المدن والثغور والحصون الأندلسية بيد النصارى زال عدد من المعاهد العلمية التي كانت منتشرة في المدن الضائعة وهاجر علماؤها إلى الأماكن الآمنة في المغرب أوفيما بقي من جهات الأندلس في يد المسلمين كدولة بني الأحمر .

ثانيـا – طـريـق فرنســــا

لقد كانت كاطالونيا أيضاً مركزاً آخر لأشعاع العلم العربي وهي تشكل جزءاً من فرنسا الحالية وتعتبر مونبليه إحدى مدنها الساحلية التي كانت في البداية عبارة عن محطة صغيرة لقوافل المسافرين بين إيطاليا والأندلس ثم ارتفع شأنها في القرن الحادي عشر ، فشرع العلماء العرب أو المتحلين بالثقافة العربية يتدفقون إليها حيث وضعوا فيها أسساً لمعهد علمي عظيم وبذلك تحولت هذه القرية الصغيرة إلى مركز كبير للتجارة والعلوم والثقافة . ولما بدأت شمس المَدَنية العربية بالغروب عن الأندلس في القرن الثاني عشر بسبب التعصب الشديد الذي اتصف به ملوك الأسبان هجر عدد كبير من العلماء العرب بالأندلس قاصدين مونبليه لما كانت تتصف به من التسامح الديني وحرية التتبع العلمي وبذلك كان لهم الفضل في رقيها ، نقل لوسيان لوكليرك عن كتاب تاريخ الفكر في فرنسا Histoire Litteraire  dele France  هذه الفقرة " في النصف الثاني من القرن الثالث غادر عدد من


الأطباء الإيطاليين وطنهم في أعقاب الفتن التي نشبت ….. ولجأوا إلى فرنسا حاملين معهم مؤلفات أبي القاسم الطبيب الأندلسي الذي  يعد باعث الحياة في علم الطب، ويظهر أن هذه المؤلفات قد وصلت بوصول أحد أطباء مدرسة ساليرنو إلى باريس واسمه روجي دي بارم { Roger  de Parme }  ومن هنا فإن دهشتنا تتضائل ونحن نرى أبا القاسم الزهراوي يتبوأ مكانه إلى جانب ابقراط وجالينوس ، ويؤلف معهما ما يشبه الثالوث العلمي "  .


وفي سنة 1220 قام الكاردينال كونراد بتأسيس مدرسة ( جامعة ) مونبليه ونظمها على شبه مدارس الطب الإسلامية . واحتل الطب الإسلامي مركز الصدارة في برنامج التدريس فيها طيلة القرن الثالث عشر والرابع عشر فكان الأساتذة يشرحون كتاب ابن سينا والرازي وأبو القاسم الزهراوي وكانت هذه المدرسة على اتصال دائم مع المدارس العربية في جنوب إسبانيا الأمر الذي يؤكد التأثير الفاعل لمدرسة مونبليه على تطور الطب الأوربي على الطريقة العربية .



ويعطينا كتاب الدروس والمفاتيح فكرة دقيقة عن برنامج مدرسة مونبليه من سنة1489 إلى سنة 1500 م.

ثـــالــثــا – طـريـق  صـقـلـيـة وإيـطـاليـا

كانت صقلية تعيش التأخر والجهل قبل أن يفتحها العرب المسلمون وقد تم فتحها أيام بني الأغلب في أوائل القرن الثالث الهجري حوالي سنة ( 877هـ ) بقيادة أسد بن فرات . ومن ثم وبعد أن مدنوها أصبحت أهم المراكز لنشر الثقافة العربية الإسلامية في أوربا .


وكان المركز الثاني بعد طليطلة – وإن كان أقل أهمية منه – لجمع المؤلفات هو البلاط النورماندي في باليرمو ، وفي هذا المركز قامت مدرسة للترجمة عن العربية ، ومن الترجمات التي ظهرت في هذا المركز هي ترجمة كتاب البصريات لبطليموس   .


وأنشأوا في باليرمو العاصمة أول مدرسة للطب في أوربا ومنها انتشر الطب إلى إيطاليا .وكدليل على التأثير الفاعل للثقافة العربية في إيطاليا في تلك الحقبة إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية في جنوا ، وإدخال كثير من الألفاظ والاصطلاحات العربية إلى اللغة الإيطالية  .وكان تسامح الحكام المسلمين في صقلية كعادتهم في كل مكان حلّوا فيه عاملاً مباشراً في ازدهار الثقافة والفنون والعلوم فيها حيث شملت لغات العالم العلمية الثلاث في ذلك الزمان وهي اللاتينية واليونانية والعربية . وتم نقل المؤلفات من لغة إلى أخرى وبذلك أصبحت صقلية خير نموذج لامتزاج الثقافات وصاحبة مَدنية لاتينية يونانية عربية فريدة امتدت حتى آخر القرن 13 ، وهو بداية التأثير العميق للثقافة العربية الإسلامية ونشوء حركة الاستعراب الفعالة في أوربا .


وقد نبغ في صقلية كثير من الأعلام العرب  منهم الإدريسي الجغرافي المشهور الذي رسم الكرة  السماوية وخريطة العالم لأول مرة .


أما أشهر من نبغ في الطب من العرب فكان الطبيب محمد بن الحسن الطوبي ( كان حياً في صقلية سنة 450 – 1058م ) ، وعلي بن الحسين بن أبي الدار الصقلي ، وأبو عبد الله الصقلي الذي تعاون مع غيره من الأطباء في ترجمة كتاب العقاقير لديوسقوريدس ، وعلي بن إبراهيم المعروف بابن المعلم ، وابن جلجل الصقلي صاحب كتاب تاريخ الأطباء والحكماء وأبو سعيد بن إبراهيم الصقلي مؤلف كتاب المنجح في التداوي ، واحمد بن عبد السلام الصقلي صاحب كتاب الأطباء من الفرق إلى القدم .


لم يتوقف الزحف الإسلامي في حدود جزيرة صقلية وما جاورها بل اتجه لفتح إيطاليا نفسها فقاموا بغزوات ناجحة شملت إيطاليا وشمالها بما فيها روما . وقد ساعدت هذه الفتوحات على نشر الثقافة والعلوم الحربية وعلى تقوية الصلات العلمية مع الثقافة اللاتينية لدى الطليان فنتج عن ذلك التقارب حركة علمية نشطة دفعت بأوربا سراعا وبشكل أساسي في طريق الصحوة العلمية والنهضة الفكرية .


ولابد من العودة للحديث هنا ثانية عن جربرت ( أو جربير ) ، فبعد أن أنتهي من تعليمه في إسبانيا كما ذكرنا قدم إلى روما واتصل بالبابا يوحنا الثالث عشر والإمبراطور اوتو الأول                     ( 021 –972 م) ثم بخليفتيه اوتو الثاني والثالث . ثم رأس المدرسة الأسقفية وفي هذه المدرسة بدأ



يدرس ويدخل إلى الغرب العلوم والمعارف التي برع فيها المسلمون وكرّس حياته كلها لطلب المعرفة ورفع مستوى العالم المسيحي إلى ذرى المعارف الدنيوية ، فلذلك اعتبر شخصية فريدة غيرت مجرى الأحداث . ولما أراد الإمبراطور اوتو الثالث إجراء إصلاحات في الإمبراطورية والكنيسة انتهز فرصة موت البابا وعمل على انتخاب جربير لكرسي البابوية ، فتربع فيه تحت اسم سلفستر الثاني ( 992 –1003 م ) ، واستمر في حثّه على طلب ونشر العلوم والإصلاح الأخلاقي حتى وفاته عن طريق السم من قبل أعدائه ، وان تعليماته هذه التي أخذها عن المسلمين كانت حافزاً لبزوغ صبح جديد لأوربا .

رابــعــاً – طـــريـــق إنــكــلــتــرا

إن أقدم اتصال للإنكليز بالطب العربي هو ما ذكره المؤرخون عن جلب أحد ملوكهم من ساليرنو  سنة 1100 م الكتاب المشهور ( النظام الصحي الساليرني Regimen Sanitatus ) والمعتمِد في أغلبه على الطب العربي .


وكان للأسباني بطرس الفونسي ( اليهودي الذي تنصر فيما بعد وأصبح طبيباً لهنري الأول) الذي سافر إلى إنكلترا حاملاً معه علوم الطب العربي أثر بالغ في نشرها هناك ، كما وأنه كان في مقدمة


نَقَلة العلوم العربية الفلكية والرياضية والطبية في غضون النصف الأول من القرن الثاني عشر حيث سار على نهجه فيما بعد كثيرون  .


كما وأن لزيارة العالم الأسباني اليهودي إبراهيم ابن عزرا من مدينة طليطلة في سنة 1158 وسنة 1159 م وتدريسه هناك أثر بارز ومبكر في نشر العلوم العربية في إنكلترا .


" وفي القرن الثاني عشر شرع العلماء من البلاد الشمالية وخاصة إنكلترا يزورون الجامعات العربية في إسبانيا للبحث عن العلوم والمعارف ، وكان أول هؤلاء العلماء وأعظمهم :


العالم الإنكليزي اديلارد ( 1116 –1142 م ) من مدينة باث ، أحد السابقين إلى نشر الثقافة العربية في الغرب ، فقد قام اديلارد بأسفار واسعة في إسبانيا وسوريا في الربع الأول من القرن الثاني عشر لدراسة اللغة العربية والعلوم العربية ، وقد ترجم إلى اللاتينية كثيراً من الكتب العربية لينتفع بها معاصروه المسيحيون . وعند عودته اشتغل معلماً للأمير هنري الذي أصبح فيما بعد الملك هنري الثاني ملك إنكلترا " .


" وقد ذهب بعد اديلارد إلى إسبانيا كثير من العلماء الإنكليز ومنهم :


روبرت : من مدينة تشستر في القرن الثاني عشر درس العوم الرياضية وترجم مؤلفات عربية .


ومن الشخصيات الهامة ، دانيل أوف مورلي ،  ( القرن الثاني عشر ) الذي كان- بمقتضى ما ذكره عن نفسه – غير راض عن الجامعات الفرنجية ، فذهب إلى إسبانيا ليبحث عن مَنْ هم أكثر حكمة  من فلاسفة العالم ، وقد عاد إلى إنكلترا بمجموعة كبيرة من الكتب وجدت عدداً من القراء".


" وفي القرن الثالث عشر درس ميخائيل سكوت في صقلية وبرع في اللغتين العربية                    والعبرية ، وقد ترجم كتب ارسطو طاليس من اللغة العربية وكان أول عهد الغرب بعدد كبير من هذه الكتب ، وكذلك ترجم من العبرية شروح ارسطو طاليس التي كتبها العرب كما كتب كتباً هامة في علم النجوم والكيمياء "  .


وكذلك " الفرد سرشال  Alferd  de  Sreshel الإنكليزي من نقلة الثلث الأول من القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ، ترجم إلى اللاتينية كتاب النبات لأرسطو نص حنين بن اسحق واصلاح  ثابت بن قرة ، وعن هذه الترجمة أُعيد نقله إلى اليونانية . كما نقل كتاب                   المعادن لأبن سينا "  .


ومن بين العلماء الإنكليز الذين ألفوا كتبا جمعوا فيها العلوم والمعارف العربية الجديدة الوافدة بارتولوميه الإنكليزيBartholomew L’Anglais  المولود في إنكلترا .انتقل إلى باريس ثم إلى ألمانيا . ألف كتابه الموسوعي ما بين ( 1230 –1240 م) وجاء هذا الكتاب في 19 جزءاً ، ضمّ كميات كبيرة من المعلومات قديمها وحديثها  وخصص الجزء السابع من هذا الكتاب للشؤون الطبية . ومن الملاحظ أن بارتولوميه في كل المجالات العلمية والمعرفية التي أوردها في كتابه الكبير لم يورد أفكاراً مبتكرة وإنما كانت في أغلبيتها منقولة عن مصادر عربية " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زوار